مخالفة نفسه واقتناء فضائلها وإزالة كدوراتها كما هو حقّه حتى تقتبس من الأنوار الحقّة الملكوتيّة نوراً إلهيّاً ينكشف به الحجب والأستار عن العقائد الحقّة والمعارف الحقيقيّة ، كان اقتصاره على التصديق بظواهر الآيات والأخبار إجمالاً أسلم وأولى ، لما عرفت من عظم خطرها وعدم استقلال العقول الناقصة بإدراكها ، ولذا كان اهتمام الشيطان في تزليق أقدام طالبيها أشدّ من سائر الطلّاب ، ودخوله من هذا الباب لتغرير الأذكياء أسهل من سائر الأبواب ، حيث يظنّ كلّ أحد أنه يقدر على الخوض في غوامض المعارف الحقّة ومعرفة حقائقها وإدراك دقائقها ، وأنّه قويّ فيه فيخوض في بحر الجهالات من حيث لايعلم فيهلك ويهلك.
ومن هنا ورد ذمّ الخوض في الكلام والمنع عنه عن الأئمّة عليهمالسلام (١).
ولما رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله أصحابه يخوضون فيه غضب حتّى احمرّت وجنتاه وقال : « أفبهذا أمرتم ، تضربون كتاب الله تعضه ببعض؟ انظروا فيما أمركم الله فافعلوا وما نهاكم عنه فانتهوا » (٢).
ومنه يظهر أيضاً سرّما ورد من الأخبار والآثار من المنع عن إفشاء دقائق الأسرار والمبالغة في كتمان جواهر المعارف وذوارف العوارف ، حيث إنه لاسبيل إلى التنبّه لها الا بعد تصفيه مرآة القلب وتزكيته عن ذمائم الأخلاق والأفعال والمجاهدة العظيمة وتحمّل المشاقّ والأخطار والأهوال حتّى يظهر جليّة الحال بعد السعي والاجتهاد بقدر القابلية والاستعداد وأنّى ذلك في النفوس الخسيسة العامة الملوّثة بالكدورات ، واالعقول الناقصة المغلوبة بالشهوات ، فإذا كان أبوذر مع جلالة قدره وعظم سأنه لايقدر على تحمّل ما أفسض على قلب سلمان فما ظنّك بسائر الناس سيّما في مثل هذا الزمان؟ كما ورد عن سيّد الساجدين عليهالسلام أنّه قال :
__________________
١ ـ راجع البحار : ١ / ١٣٦_١٣٨ ، والتوحيد للصدوق ، وباب النهي عن الكلام.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٣٢١.