بالفحوى فليس الظلم في إعطاء غير المستحقّ أقلّ من منع المستحقّ ، كما قيل :
ومن منح الجهّال علماً أضاعه |
|
ومن منع المستوجبين فقد ظلم |
وإذا بيّن له ما يليق به لم يذكر له أنّ وراءه شيئاً يدّخر عنه لقصور فهمه ، فإنّه يشوش عقله ويظنّ بمعلّمه الضنّة ، فإن أحداً لا يرضى بالجهل بل كلّ أحد يرضى عن الله بما أعطي من كمال العقل ، ومن هنا منع عن فتح باب البحث للعوام ، إذ فيه تشويش لعقائدهم وتعطيل لصنائعهم التي بها قوام الأنام.
وسابعها : أن يكون عاملاً بعلمه وهو وإن لم يختصّ بالمعلّم لكنّه فيه أشدّ ، فإنّ العلم يدرك بالبصيرة والعمل بالبصر وأرباب الأبصار أكثر من أهل البصيرة والاستبصار ، فكلّ من تناول شيئاً وقال للناس إنه سمّ مهلك فلا تناولوه سخروا به واتّهموه وزاد حرصهم عليه وقالوا لو لا إنه أطيب الأشياء لم يستأثره مع علمه ، والتجربة أحسن شاهد على عدم تأثيره وقبحه ، كما قيل :
لاتنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم |
وقال : ( أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم ). (١)
وقال علي عليهالسلام قصم ظهري رجلان : عالم متهتّك ، وجاهل متنسّك. (٢)
وفيه قيل :
فساد كبير عالم متهتّك |
|
وأكبر منه جاهل متنسّك |
هما فتنة للعالمين عظيمة |
|
ومن بهما في دينه يتمسّك |
قال الصادق عليهالسلام : « إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن
__________________
١ ـ البقرة : ٤٤.
٢ ـ المحجة البيضاء : ١ / ١٢٤ ، منية المريد : ١٨١.