وفي حديث آخر : « حدّ اليقين أن لا تخاف مع الله شيئاً » (١).
ومن علاماته أيضاً خضوع صاحبه لله تعالى وقيامه بوظائف العبادات مع الواظبة على امتثال الطاعات فارغاً قلبه عمّا سواه ومصروفاً فكره فيما يوجب رضاه ، لأنه يدري قدرته وعظمته واطّلاعه على خفايا ضميره وعلمه بأفعاله وأعماله فيكون في مقام الشهود أبداً والاشتغال بوظائف الأدب دائماً ، كيف لا ، وقد ترى أنّ كلّ من يحضر عند ذوي الشوكة والاقتدار من الملوك وأرباب الدول ، والاعتبار مع خساستهم ورذالتهم ومجازية دولتهم ونعمتهم يبالغ في أقصى وظائف الأدب والخدمة ، ويحصل له أعلى مراتب الخوف والدهشة ، سيّما إذا علم اطلاعه على أفعاله المخالفة لأمره ورضاه ، فكيف وهو ملك الملوك وجبّار الجبابرة والمنعم الحقيقي ، العالم بما تخفيه الصدور.
فمن تيقّن بأنّه يشاهد أعماله يجتهد أبداً في الامتثال والاطاعة والدعاء.
ومن أيقن بإحسانه وحقوقه المتواترة يكون دائماً في مقام الشكر والحياء.
ومن أيقن بما هيّأه لمحبّيه ومخلصيه في دار الجزاء يكون دائماً في مقام الاخلاص والرجاء.
ومن أيقن باستناد كلّ الأشياء إليه على أحسن نظام يقتضيه الحكمة والمصلحة يكون دائماً في مقام التسليم والرضا.
ومن أيقن بالموت وما بعده من العقبات الهائلة يكون دائماً في مقام الحزن والبكاء.
ومن تيقّن يخساسة الدنيا وفنائها لم يركن إليها لما يشاهد منها عدم الوفاء.
__________________
١ ـ الكافي : ٢ / ٥٧ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب فضل اليقين ، ح ١. وفيه : « قلت : فما حدّ اليقين؟ قال : الاتحاف ... »