واعلم أنّ النفس في بدو الفطرة صالحة لما ذكر لكونها جوهراً ملكوتياً ، ولذا صارت قابلة لحمل أمانة الله تعالى أعني التوحيد والمعرفة ، وفاقت على كلّ موجود بالفضيلة والشرافة ، وإنما يمنعها عنه أحد الموانع المذكورة.
قال صلىاللهعليهوآله : « كلّ مولود يولد على الفطرة الا أنّ أبواه يمجّسانه ويهوّدانه وينصّرانه ». (١)
وقال صلىاللهعليهوآله : أيضاً : « لو لا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض ». (٢)
وقد عرفت أنّ الشياطين إنما يحومون عليها يغلبة الشهوية والغضبية على العقلية ، وينسدّ أبوابها بغلبة العقلية عليهما ، وينفتح أبواب الملائكة القدسية والأنوار القدوسيّة.
ثم اعلم أنّ من علامات اليقين أن يعلم صاحبه أن لا مؤثّر في الوجود الا هو ، ولا أثر الا وهو أثره ، فلا يلتفت الا إليه ولا يّتكل الا عليه ، ويستوي حالتا الفقر والغنى والصحّة والمرض لديه ، لأنه يرى جميع الاشياء بعين واحدة ، والوسائط مسخّرة تحت حكمه.
قال الصادق عليهالسلام : « من ضعف يقينه تعلّق بالأسباب ورخّص لنفسه بذلك واتّبع العادات » ، وأقاويل الناس بغير حقيقة والسعي في أمور الدنيا وجمعها وإمساكها مقرّاً باللسان أنّه لا مانع ولا معطي الا الله ، وأنّ العبد لا يصيب الا ما رزق وقسم له ، والجهد لا يزيد في الرزق ، وينكر ذلك بفعله وقلبه. قال الله تعالى : ( يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ) (٣) (٤)
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ١٢٧ مع اختلاف.
٢ ـ البحار : ٧١ / ٢٢١ ، المحجة البيضاء : ٢ / ١٢٥ ، بدون « والأرض ».
٣ ـ آل عمران : ١٦٧.
٤ ـ مصباح الشريعة : الباب السابع والثمانون ، في اليقين.