اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتّى ياتي الله بامره ). (١)
فيكون قدوم الأوّل عليه تعالى قدوم العبد المحسن المشتاق إلى مواله ، ويلحقه الفرح والسرور ماشاء الله ، والثاني عليه تعالى قدوم العبد الآبق المبغض لمولاه إذا قدم عليه قهراً ، ولايخفى ما يكون فيه من الذلّ والهوان والخزي والحرمان.
ثمّ أهونها كثرة العصيان ، وإن قوي الايمان فتألف طبيعة الانسان بها في حياته فيعود ذكرها لأجله عند مماته ينعقد في قلبه حبّ ما خطر له منها ويقبض روحه على ذلك الخاطر ، ويكون ذلك حجاباً له عن ربّه ، وهو الختم بالسوء أيضاً.
وكلّ من غلبت عليه المعاصي وكان قلبه أميل إليها من الطاعات كان أقرب إلى هذا الخطر ، ومن كان بالعكس كان عنه أبعد ، ومن تساوى حاله فأمره إلى الله ، ولا يعلم ما يختم عليه.
والسرّ فيه أنّ الغشية التي قبل الموت شبيهة بالنوم ، فكما لايرى الانسان في منامه الا ما عهده وألف به في اليقظة حتّى إنّ المراهق إذا احتلم لايرى صورة الوقاع ، فكذلك الحال عند سكرات الموت ، فربّما صارت غلبة الانس سبباً لتمثّل فاحشة في قلبه وميله إليها فيقبض على تلك الحالة روحه فيكون بالسوء ختمه وإن كان ما يرجى به خلاصه من فضل الله تعالى أعني الايمان باقياً.
وكما أنّ ما يخطر بالبال في اليقظة إنما يخطر أسباب خاصّة يعرف بعضها كالانتقال من الشيء إلى ما يشابهه أو يضادّه أو يقارنه ، ولايعرف بعضها كالانتقال من شيء إلى أخر لايعرف وجه مناسبته ، أو الانتقال إلى شيء لايعرف سببه أصلاً ، فكذا ما يرى في المنام أو يختلج في حالة الموت له
__________________
١ ـ التوبة : ٢٤.