ولمن كان من شدّة الخوف على خطر من حفظ بدنه والاشتغال بما يلزم عليه أو يحسن من لوازم التمدّن.
واعلم أنّ الاعتماد على الرجاء وإن كان أعلى من الخوف لاستقائه من بحر الرحمة وترتّبه على المحبّة التي بها يحصل القرب بخلاف الخوف لابتنائه على الغضب ومن البيّن أن من يخدم مولاه شوقاً وحبّاً له أحسن ممّن يخدمه خوفاً منه ، لكنّه يختصّ بمن لم يغلب عليه المعاصي ولم يغترّ بخدع الشيطان ، ولم ينهمك في الشهوات ، فأمّا أغلب الخلق المغرورين بالمعاصي والمنهمكين في الشهوات فأدوية الرجاء بالنسبة إليهم كالسموم المهلكة والأصلح بحالهم غلبة الحوف بما لايؤدّي بهم إلى اليأس وقطع العمل ، بل يحثّهم على مقتضيات دار السرور ، ويزعجهم عن الركون إلى دار المغرور ، سيّما مع كثرة آفات الطاعات خفائها عنهم ، وكون طباعهم مجبولة على الشهوات وعظم خطر الخاتمة كما عرفت ، فلايمكن للعاقل مع ذلك غلبة الرجاء ، بل لو تفكّر في ماذكر غلب عليه الخوف إن كان ضعيفاً في قلبه ، واستوى لديه الخوف والرجاء إن كان ثابت الجأش كاملاً في المعرفة ، ولذا امر به فيما قدّمناه من الأخبار.
ثم اعلم أنّ ما ذكرناه يختصّ بحالة التمكّن ممّا يبعثان عليه من تدارك الأعمال والتوبة والابتهال ، وأمّا في حال الاشراف على الموت وانقطاع اليد عن التدبير والتدارك لما فاته فلا وجه للخوف حينئذ ، بل ربما أدّى إلى اليأس والقنوط أو سرعة الهلاك ، بل النافع له حينئذ هو الرجاء حتّى يتقوّى به قلبه ، ويحبّب إليه ربّه ، إذ الاختتام بالمحبّة أنفع شيء في تلك الحالة ، لأنّ من أحبّ لقاء الله أحبّ لقاءه ، ومن علم أنّه علم أنه تعالى بسبب حبّه له يحبّ لقاءه اشتاق إليه وفرح بالقدوم عليه ، وهو أوّل مايلقاه المحبّ لله تعالى من ملاذّ تلك النشأة بعد خروجه عن دار الدنيا التي كانت سجناً له لأن علائقها كانت حاجبة له عن الوصول إلى مطلوبه ، وحاجزة له عن القرب إلى محبوبه ،