كما قال نبيّنا صلىاللهعليهوآله : « حبّب إليّ من دنياكم ثلاث : الطيب والنساء وقرّة عيني في الصلاة ». (١)
وإنما المذموم منه حبّ الحظوظ العالجلة التي لايتوسل بها إلى الآخرة ، كما أشرنا إليه وسنزيده توضيحاً.
فعلى هذا لابدّ من كون المراد من حبّ الدنيا المعدود في جملة الرذائل هذا القسم خاصّة ، وكلّه من رذائل الشهوية الا حبّ الجاه وتسخير القلب إذا قصد منه الاستيلاء فإنّه من رذائل الغضبية ، حينئذ كما سيجيء فيكون مرادفاً للشرة بالتفسير الذي ذكرناه حينئذ ، ويلزم منه أن يكون جنساً من طرف الافراط وما ذكرناه في الفصل السابق نوعاً منه كحب المال وغيره ممّا سيذكر.
ثمّ إنّ الحبّ المذكور إحدى علاقتي العبد بها وهي العلاقة القلبيّة بانصراف همّه إليها حتّى يصير رقّاً لها وهي الرقية بالمعنى الأعم ويقالها الحريّة كذلك أي استخلاص النفس من عبوديّتها ، ويترتّب عليها جميع الرذائل القلبية المتعلّقة بالدنيا من المكر والحسد والكبر والرياء وغيرها ، فهي الدنيا الباطنيّة ، والظاهرية الأعيان المجودة التي جمعها الله تعالى بقوله :
( زيّن للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسمومّة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ). (٢)
والأخرى العلاقة البدنيّة بالاشتغال بإصلاح تلك الأعيان في وجوه المصارف بالحرف والصنائع التي اشتغل بها الناس فأنستهم أنفسهم وخالقهم واستغرقوا في مشاغلها لجهلهم بحكمتها فاتّصلت وتوالت بعضها ببعض إلى غير النهاية ، إذ لايفتح منها باب الا وينفتح منه كثير من الأبواب وهلمّ جرّاً ، فكأنّهم وقعوا في هاوية لاقعر لها وسقطوا في مهاويها واحدة
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٩٦ / ١.
٢ ـ آل عمران : ١٤.