وهي مذمومة مطلقاً ، لكون أول فرديها محرّماً وأداء ثانيهما إلى الذلّ والمسكنة والتخضّع والعبودية للناس الممنوع شرعاً والمذموم عقلاً ، رفع الوثوق بالله ، والتوكّل عليه ، وترجيح المخلوق على الخالق المنافي لقوّة اليقين.
فظهر أنّه كحيّة فيها سمّ وترياق ، فلابدّ للعاقل من معرفة غوائله حتّى يحترز من شروره وآفاته والاطّلاع على فوائده حتى يستدرّ منّ محاسنه وخيراته. فغوائله الدنيوية من المخاوف والمتاعب والأحزان وتفرّق الخاطر في كسبه وحفظه ودفع كيد حسّاده وغير ذلك غنيّة عن البيان ، لأنّ أصحابه أعرف بها ، فلا حاجة لهم إلى بيانها ، ومن غوائله الدينيّة أداؤه إلى المعصية لكونه من أقوى أسبابها المحصّلة للقدرة عليها ، فإذا استشعر الانسان به انبعث داعيه إلى فعلها ، فإن فعل عصى وإن ترك وقع في مضيق الصبر على تركها ، بخلاف العجز ، ثم إلف صاحبه بسبب ثمرّنه على الشهوات والتنعّمات بها ، بحيث لايقدر على تركها ، فإذا لم يقدر على حلالها اقتحم في الشبهات ، ثمّ في المحرّمات لتنظيم الشهوات وما أقلّ من قويت نفسه مع القدرة عليها على تركها والاكتفاء بقدر الضرورة منها.
ثم في أمثال هذا الزمان لايمكن محافظة المال وتنميته الا بارتكاب أنواع المكر والحيلة والتحمّل لما يسخط الله تعالى طلباً لمرضاة أهل الدنيا باحتياجه إلى معاشرتهم ومعاملتهم. هذا.
والعمدة فيه اشتغاله بسبب الدنيوي في تنمية ماله عن إصلاح حاله ، كما قال عيسى بن مريم عليهالسلام :
« في المال ثلاث آفات ، أن يأخذه من غير حلّه. فقيل : إن أخذه من حله؟ قال : يضعه في غير حقّه. فقيل : إن وضعه في حقّه؟ قال : يشغله إصلاحه عن الله تعالى ». (١)
فإنّ أودية الأفكار الدنيوية ممّا لا تنتهي إلى حدّ ».
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٤٩.