وورد في الأخبار أيضاً بيان وجوهه وآدابه كمّا وكيفاً ، وذكرها علماء الأخلاق وغيرهم مع زيادات مذكورة في الكتب المطّولة المشهورة ، فلا حاجة إلى ذكرها.
ثم إنّ للعرفاء ترغيبات على الجوع بكثرة فوائده وتوقّف كشف الأسرار الالهية والوصول إلى المراتب العليّة عليه ، ولهم حكايات غريبة من إمكان الصبر عليه شهراً أو شهرين أو سنة ، ووقوعه من بعضهم.
قيل : وهذا خلاف ما ورد في ظاهر الشريعة ، وكلف به عموم الامّة ، فإن كان ممدوحاً فإنّما هو لقوم مخصوص.
أقول : الأخبار الواردة في فضل الجوع وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ومولانا أميرالمؤمنين عليهالسلام وكثيراً من خلّص الصحابة كانوا يمسكون عن الأكل يومين أو ثلاثة وكانوا يربطون الصخر على بطونهم من الجوع كثيرة ، وكذا ما نقل عن سائر الأنبياء والأولياء ، كما أشرنا إلى بعضهم ، ونشير إلى بعض آخر.
وغاية ما يدلّ عليه سائر الأخبار هي ما نبّهنا عليه من كون الراجح من الأكل مثلاً ما يحفظ به قوام البدن ، كما دلّ عليه قول النبي صلىاللهعليهوآله : « حسبه لقيمات يقمن صلبه » (١).
وهو ممّا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ، فربّما أطاق أحد الصبر عليه أيّاماً كثيرة ، ولم يتضرّر بالامساك عنه شهراً أو شهرين مثلاً ، ولم يطق آخر وتضرّر من أمساك يوم.
وربّما شبع أحد بثلث ما لا يشبع به آخر أو أقل ، فيكون في حقّه شبعاً مذموماً ، وفي حقّ الآخر جوعاً ممدوحاً.
والحاصل غاية ما يستفاد من الأخبار كون الممدوح منه ما يتقوّم به البدن (٢) ، وهذا مما لا أظن انّ أحداً ينكره ويدّعي حسن الموت جوعاً ، وأمّا
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ١٤٧.
٢ ـ في هامش « الف » : ما يبقى معه قوام البدن.