كما كانت عليه طوائف النبيّين وكافة الأصياء وخلّص الأتقياء الماضين.
والحقّ أنّه يختلف باختلاف الأشخاص والأمكنة والأوقات ، فإنّ أمر المتفرّد في ذلك أخفّ من المعيل ، ومن اقتصر على العلم والعمل ولم يقدر على الكسب يخالف حاله حال الكالسب وكذا يمكن في بعض الأوقات والأماكن تحصيل الاجة كلّ يوم دون بعض ، فبالحريّ أن يلاحظ حاله ووقته ومكانه ، وأن الأصلح بحاله والأعون على تحصيل ما خلق لأجله ماذا ، فإن المعيار الصحيح في هذا الباب صحّة القصد وخلوص النيّة خاصّة.
وأمّا الجاه فقيل : إنّ القدر الذي يحصل به وقع في قلب الخادم ليخدمه أو في قلب السلطان ليدفع عنه شرّ الأشرار عن نفسه أو عن غيره ، ممّا لاينافي الزهد.
وقيل : إنّه يتمادى إلى هاوية لا عمق لها ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه ، وإن الحاجة إليه إما لجلب النفع ، والمال يغني عنه وإن لم يكن له قدر عند الخادم ، وإنما يحتاج إليه من أراد الخدمة بغير أجرة وهو ظالم حينئذ لا زاهد ، أو دفع الضر وهو مما يكفي عنه اشتغاله بالعبادة مع الأخلاص ، فإنّ الله تعالى أقدر على دفع الأذى عنه من الحكّام والسلاطين ، مضافاً إلى أنّه يحصل له من الله تعالى من دون كسب الوقع في قلب الكفّار فضلاً عن المسلمين.
وأمّا التصوّرات والتقديرات الباعثة على تحصيل الزائد من ذلك ، فهي أوهام كاذبة على سبيل التخمين ، إذ المحصّل له أقرب إلى أذى الناس من عادمه ، فالعلاج بالصبر والتحمّل أولى من العلاج بطلب الجاه وتسخير قلوب أعداء الله الظالمين ، فإنّ اليسير يدعو إلى الكثير ، والحفنة إلى البيدر الكبير ، وضراوته أشدّ من الخمر كما لا يخفى على من له أدنى إدراك ، فليحترز عن قليله وكثيره حتّى لايسلك به إلى الهلاك.
نعم ما يحصل للعبد منه تعالى من دون كسب لاتّصافه بالعلم أو غيره