نعم فقدانها باعتبار استفادة وجوه الشرّ منها كمال بالاضافة إلى وجدانها كذلك الاعتبار الا انه في نفسه وبالاضافة إلى الاشتغناء بوجوه خيرها والاستكسال بها كمال وخير ، كما لايخفى.
إذا تمهّد هذا ، فاعلم أنّ القسم المذكور من الغنى أي من كان غناه بالممكن إن كان ممّن لايسعى في طلبه سعياً بليغاً يصرفه عمّا هو الأهمّ له ، ولا يرغب فيه رغبة ذاتية شديدة ، ولا يتألّم بفقده ألماً طبيعيّاً الا أنّ حبّه لوجوده أكثر من عدمه إمّا بالذات لأنّه من أثار صنعه تعالى كما أشرنا إليه ، أو للتشبّه به تعالى في كون رزق بعض عباده بيده ، وأنّ له مدخلاً في نظام العالم الذي هو أحسن النظام ، أو لأجل اقتناء الخيرات وتحصيل السعادات ، فهذا أيضاً يتلو الأوّل في الشرافة والفضيلة ، ولذا ورد الحثّ الأكيد بالكسب والمتجر وتحصيل الرزق الحلال ، كما أشرنا إليه فيما مضى.
وإن كان حريصاً في جمعها متعباً نفسه في تحصيلها ولو من غير وجهها فرحاً بحصولها جزوعاً من فقدها متعشّقاً إمّا نفسها أو بمصارفها المضرّة بدينه مهملاً بسببه ما هو الأهمّ من كمالات نفسه المقصوة من إيجاده فهو بعينه ما بسطنا الكلام فيه في حبّ المال والبخل والحرص وغيرها ، وهذا بإطلاق الفقير عليه أجدر ، لعدم استغنائه بماله من الأموال وغيرها ، بل ازدادت حاجته إليها برقيته لشهوته.
وقد ذكرنا سابقاً أنّ مثل هذا كلما يزداد مالاً تزداد شهوته وحرصه لما هو فاقده توالداً ، وتتوالى إلى غير نهاية تقف ولا يتصوّر له حدّ من الغناء يعرف.
ولذا قال أميرالمؤمنين عليهالسلام : « يابن آدم إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فإنّ أيسر ما فيها يكفيك ، وإن أيسر ما فيها يكفيك ، وإن كنت [ إنّما ] تريد منها ما لا يكفيك فإن كلّ ما فيها لا يكفيك ». (١)
__________________
١ ـ الكافي : ٢ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، كتاب الأيمان والكفر ، باب القناعة ، ح ٦.