الأنوار السبحانية وتزكية السرّ عمّا سواه تعالى والاستغراق في بحر كبريائه ، وهذه غاية كمال القوّة العمليّة ، والكمال الأوّل بمنزلة الصورة ، والثاني بمنزلة المادة ، فإذا جمعتهما تمّت بهما دائرة الوجود منطوياً فيها عالم الغيب والشهود.
توضيح
لكلّ شيء من الموجودات خاصيّة لايشاركه غيره فيها ، فكلّما كان صدور تلك الخاصية المختصّة به منه أتم وفيه أظهر كان بالكمال أقرب ، وإلا فهو ناقص. ألا ترى أن الفرس تشارش كثيراً من الحيوانات في مطلق العدو ، الا أنّ لها خاصية تختصّ بها في مطاوعة راكبها وخفّتها حالة العدو بحيث لأتوجد في غيرها ، وكلّما كانت الخاصية المزبورة فيها اظهر كانت في مراتب الفرسيّة أكمل وأشهر ، وكذا الإنسان له خاصية ها يتميّز عن سائر ما في الاكوان ، وإن كان مشاركاً لغيرها في جملة من الخاصيات ، فإنّ بلوغه إلى أعلى المراتب فيها لايعدّ له كمالاً لوجود من هو أعلى ربتة منه في الحيوانات والنباتات مثلاً ، بل كماله في بلوغه إلى أعلى المراتب في تلك الخاصية المختصّة به وهي ما ذكرناه من القوّتين ، فغن أو صلهما إلى أعلى مراتبهما الذي ذكرناه كان إنساناً كاملاً مستحقّاً لخلافة الله في البلاد ، مستعداً لقبول الفيض الابدي من بين العباد ، اتموذجاً لما في عالم الكون والفساد.
فصل
الأجسام الطبيعية متساوية في الجسمية ، فلا مزية لبعضها على بعض من هذه الحيثية ، بل ما كان قبوله للصور الشريفة وتأثره من المبادي العالية أظهر فهو أشرف ، أنواع الجمادات ما كانت له قوّة قبول النفس النباتيّة كالمرجان ، وهو متصّل بأخسّ أنواع النبات ، وبين أدناها إلى هذه المرتبة العليا مراتب غير محصورة من هذه الحيثية.