الفعل أي كلّ ما يصدر عنها من التأثير والتأثّر فهي في جميع إدراكاتها محتاجة إليها ، فقبل تعلّقها بالبدن واستعمال الآلات ليست فاعلة ولا قابلة ، وأمّا بعدهما فتحصل الصور الجزئيّة في الآلات ، الا أنّها خالية عن الصور الكلّية إلى أن تميّز به مابه تشرتك الجزئيّات عمّا به تختلف فهي قبل التمييز المذكور عقل هيولاني لمشابهتها للهيولى الأولى في خلوّها عن الصور بالفعل وقبولها لها بالقوّة ، وإذا ميزت فأوّل ما يرتسم فيها صور الكلّيات الضرورية الحاصلة من التمييز الحاصل من تكرير المشاهدات حكماً ومفهوماً ، كامتناع اجتماع النقييضين والحرارة الكلّية مثلاً ، وهي في هذه الحالة أي حصول الضروريات لها فعلاً واستعدادها لاكتساب النظريات منها عقل بالملكة ، وإذا اكتسبت النظريّات بالفعل وصارت لصيرورتها مخزونة فيها مستعدّة لا ستحضارها فهي عقل بالفعل ، وجميع ما يمكن إدراكها من المعقولات حاصلة لها بالفعل حينئذ ، الا أنها لاشتغالها بشواغل المادّة واحتجابها بحواجب البدن ليست حاضرة عندها مشاهدة لديها ، فإذا ارتفعت علاقتها بالبدن ولم يبق لها حجاب أصلاً وصار جميع إدراكاتها حاضرة عندها مشاهدة لها سميّت عقلاً مستفاداً ، وهذه غاية كمال القوّة النظريّة ، وكما أنّ مراتبها أربعة فكذا مراتب القوّة العمليّة.
أوّلها : استعمال النواميس الإلهيّة والشرائع النبويّة وامتثال الأوامر والنواهي الشرعيّة ، حيث إنها باب السلوك ومفتاح الوصول إلى المقصود ، فلا يمكن الا منه الورود.
وثانيها : التخلّي عن الرذائل والتحلّي بالفضائل وإزالة العلل الحاجبة عن التوجّه إلى عالم الملك والملكوت عن الخاطر ، حتّى يتمكّن من الوصول إليه.
وثالثها : ملكة الوصول إلى عالم القدس.
ورابعها : مرتبة الفناء والوحدة الصرفة وقصر الهمّة في النظر إلى