أو فعلاً أو إيماءاً على وجه يضحك منه الناس نوع من الأذية والاهانة. وتنبيه الناس على عيوب المستهزىء به ولو كانت في غيبته كانت غيبة أيضاً. ولو بالغ بما ليس فيه كان كذباً وبهتاناً أيضاً. فإن كان الباعث عليها الكبر والتحقير أو العداوة كانت من رذائل الغضبية ، وإن كان مجرّد ضحك الأغنياء وتنشيط قلوبهم طمعاً كان من رذائل الشهوية.
ويشتمل هذا القسم من خسّة النفس ودناءة الهمّة والوقاحة وهتك أستار الحياء والذلّ والهوان على مالا يخفى. وهو مضافاً إلى كونه بنفسه عقوبة عاجلة مستلزم لعقربات عظيمة في الآجل ، إذ لا ظلم أعظم من وضع النفس الشريفة التي هي بن سنخ عالم الربوبيّة القابلة لخلافة الله تعالى في أخس المراتب البهيمية. وأيّ شناعة أعظم من أخذ أذى المسلمين حرفة ، وما يؤدّي إى قسوة القلوب وغفلتها عن الله تعالى بالضحك الملاهي عملاً وصنعة ، فما هو الا من غاية الحمق وخفّة العقل والجهالة بخواصّ النفس الانسانيّة ، وما به تمتاز عن البهائم. ويشهد لذلك أنّ موسى عليهالسلام لمّا قيل له ( أتتّخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) (١) فلو جعلت من رذائل القوّتين لم يكن بعيداً.
وعلاجها بإزاحة عللها ، أي الكبر والعداوة والجهل ، وتبديلها بأضدادها ، أي التواضع والمحبّة والعلم بما به امتياز النفس الانسانية من غيرها ، ويكون الأرزاق والأقوات والأموال من قبيل آلات لحفظ البدن الذي هو مركب للنفس ، فتضييع النفس وتنكيسها إلى المرتبة البهيميّة لأجل المال وغيره انتكاس على أمّ الرأس ـ نعوذ بالله منه فليزجر قوته الشهوية بهذه الزواجر القلية مع الأوامر والنواهي الشرعية ، قال الله تعالى :
( لا يسخر قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ ) (٢)
__________________
١ ـ البقرة : ٦٧.
٢ ـ الحجرات : ١١.