على من كان قصده الاحسان وأحسن إليك ، فبالحريّ أن تجتهد في إزالة ما هداك إليه من عيوبك.
وإن كان قصده الأذية وكان صادقاً فيما نسبه إليك فقد حصّلت منه ما تنتفع به من الارشاد مع الجهل والتذكّر مع الغفلة ، والتقبيح مع التذكر ، فينبغي لك أن تغتنمه وتبادر إلى إزالته عنك ، فإنّه الأهمّ بحالك.
وإن كان مفترياً عليك فلا ينبغي لك الاشتغال بذمّه أيضاً.
أمّا أوّلاً : فلأنّك وإن خلوت عنه فلا تخلو عمّا يساويها أو يكون أفحش منها ، فالأولى بحالك الاشتغال بإزالة سائر عيوبك شكراً لما أنعم الله عليك من سترها عليك ، فهو جار في الحقيقة مجرى التنبيه من الله سبحانه والارشاد إلى السعي والاجتهاد في إزالتها.
وأمّا ثانياً : فلأنّه تعالى جعله كفّارة لذنوبك ، وقد أهدى إليك خصمك بذمّه لك حسناته ، كما ورد في كثير من الأخبار ، فلو غضبت عليه وصدر منك المكافاة أو التعدّي كنت قد حرمت نفسك عمّا هو كفّارة لذنوبك ، وعن الهدايا التي أهداها إليك ، فهو في الحقيقة ظالم لنفسه ومحسن إليك ، فلا يليق بلك ذمّه أصلاً ، فاللائق بحال السالك المعالج لقلبه أن يبدّل هذه الصفة إمّا بضدّها كما ورد عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال :
« ويل للصائم ، ويل للقائم ، ويل لصاحب الصوف الا من فقيل : يا رسول الله الا من؟ فقال : الا من تنزّهت نفسه عن الدنيا وأبغض المحدة واستحبّ المذمّة ». (١)
ولا أقلّ من تسويتهما في نظره. وقد يشتبه على السالك فلابدّ من الامتحان الصادق بالتفكّر في علاماتها حتّى يظهر صدقه فيما يدّعيه كأن لايكون نشاطه في قضاء حوائح المادح أكثر من الذامّ ولا غمّه في ابتلائه ببليّة أكثر منه ولا مصاحبته ومجالسته أهون عليه منه ولا ذلّة الذامّ في نظره أخفّ
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ١٣٧.