والسبب العمدة فيه ما ذكر في حبّ الجاه من ميل النفس إلى تسخير القلوب واهتزازه منه ، سيّما إذا كان المادح ممّن يتّسع قدرته وينتفع من اقتناص قلبه ، أو كان ممّن يعتني الناس بمدحه ، وربّما يتسبّب من شعور النفس بكمالها المحبوب لها بذاته ، فإن كانت شاكّة في اتصافها به وصدر عن البصير الغير المجازف كالوصف (١) بكمال العلم من العالم عظمت اللذّة والسرور ، إذ بترتّب عليه طمأنينة بعد شكّ ، وعلم بعد جهل ، وإن كانت متيقّنة به لكونه من الكمالات الظاهرة الجليّة كاعتدال القامة وصفاء اللون حصلت لذّة ما من التنبّه بعد الغفلة ولم يكن عظيمة ، إذ لايترتّب عليه علم بعد جهل ، ولكن سكون بعد اضطراب ، وكذا إن كانت شاكّة فيه مع صدوره عمّن لابصيرة له لقلّة الاطمينان بقوله ، وإن علم انّ المادح غير صادق في المدح بطلت اللذّة رأساً.
وعلاجه أن يتفكّر في أنّ شعوره بكمال نفسه إن كان ثابتاً له في الواقع كان فرحه من فضل الله عليه أولى ، والا فإن علم أنّه معتقد لما بقوله كان حقيقاً بالسعي في تحصيل تلك الفضيلة وإزالة ضدّها عن نفسه شكراً لما أنعم الله عليه من ستر عيوبه عن أعين الناس ، ونشر الثناء الجميل الذي ليس أهلاً له ، فهو بالهمّ والغمّ أولى ، وإن علم أنّه غير معتقد له كان مستهزءاً له فهو بالهمّ والغمّ أحقّ وأحرى ، مع أنّه إن كان المدح بمثل الجاه والثورة وغيرهما من الكمالات الوهميّة ، فالفرح بها من قلّة العقل كما عرفت مراراً ، وإن كان من الفضائل النفسية فالتمدّح بها لكونها مقرّبة إلى الله وهو فرع حسن الخاتمة الذي لايعلمه الا الله ففي خطر الخاتمة شغل شاغل عن كلّ ما يفرح به. وسائر الأسباب مرجعها إلى حبّ الجاه ، وقد عرفت علاجه.
ويعلم علاج كراهة الذمّ من ضدّها ونزيدك تنبيهاً بأن قصد الذامّ منه إن كان النصح والارشاد فما أعظم حقّ إحسانه عليك ، وما أقبحك لو غضبت
__________________
١ ـ في « ج » : كما لو وصف.