ثم لا يذهب عليك أنّ هذا يختصّ بالعبادة المركّبة من أجزاء يتوقّف صحّتها على صحّة كلّ منها كالصلاة والصيام ، وأمّا ما لا يكون أجزاؤه كذلك كالصدقة والقراءة ، فليس كذلك ، بل يختصّ الفساد بما طرء عليه الرياء دون السابق. ولو انعكس الأمر بأن عقد على الرياء ثم ندم في الأثناء فالحكم متّحد في جميع الشقوق.
الثّانية : اختلفت الأخبار والأقوال في ترجيح عمل (١) السرّ على العلانية وبالعكس وأنت في سعة من استخلاص نفسك بعدما نبّهناك على كون المناط الأصلي في الصّحة والفساد هو القصد ، فإنّ الأعمال بالنيّات ، وإنّ لكلّ امرىء ما نوى ، فما كان أبعد عن شوائب الرياء وأقرب إلى الاخلاص كان أرفع وأثقل في ميزان الأمال سرّاً كان أو علانية ، وما كان عن الإخلاص أبعد كان خفيفاً فيه كذلك فهما سيّان بالذات.
نعم لما كانت بواعث الرياء في الاعلان أكثر وأجلى مع نهاية غموض شعبها وخفاء مداركها مع ضعف أغلب النفوس عن مممدافعتها ولابدّ للحكيم من إجراء الحكم على وفق طباع النفوس الضعيفة رفقاً بها كما أشرنا إليه في بحث الفقر والغنى ، فلذا فضّل الاسرار على الاعلان ، لكنّه مرجّح عرضي يحصل بالنسبة إلى بعض الأشخاص لا في جميع الأحيان ، كما أنّ من كان عالماً بشعبه بأسرها فطناً بمزالق أقدام العباد في مواقعها وكانت له نفس قويّة لايتفاوت بالنسبة إليها الاسرار والأعلان واقتداء الناس به وبغيره من الأمثال والأقران يكون الاعلان بالنسبة إليه أفضل حتّى يرغب الناس بسببه إلى الخيرات ويتنبّهوا على الاقتداء به في الطاعات.
ويظهر لك بهذا وجه الجمع بينها ولو تعارض فائدة اقتداء الناس به بغائلة الشوائب الخفيّة من الرياء كان الاسرار أرجح وأتمّ ، لأنّ محافظة نفسه عن الهلاك أهمّ من إرشاد غيره حتّى لايكون حسرته في يوم القيامة أشدّ
__________________
١ ـ في « ج » : علل.