وأدوم.
الثالثة : لابدّ للسالك أن يعلم أنّ الشيطان باذل منتهى جهده بأقصى جدّه ـ لشدّة عداوته بصيرورته طريداً لأجله ـ في حرمانه عن السعادات المنحصر حصولها له في العبادات لما عرفت من أنّها هي التي بها يحصل التقرّب إلى الله تعالى حتّى يحبّه فيصير سمعه وبصره ويده ورجله ، وأنها الباب الذي به يفوز المرء بالمعرفة الحقيقية المخلوق لأجلها فهي السعادة الواقعيّة ، فكيف لايبذل جهده في حرمانه عنها وخذلانه وقد حلف بعزّته سبحانه وعظمة شأنه ليغوينّهم أجمعين الا المخلصين من عباده الفائزين عرفانه فيدعوه أوّلاً إلى ترك العمل ، فإن لم يجبه دعاه إلى الرياء ثم بعد يأسه عنه يقول : هنا مظنة رياء لاينفع معه العمل فالأحسن لك تركه ، فكما يجب للسالك ترك إجابته في الأوّلين فكذا الثالث.
فإن كان مطلوبة طاعة غير متعدّية إلى الغير كالصلاة والصوم والحجّ ، فإن كان باعثه الرياء من أوّل الأمر لم يشرع فيه الا بعد خلاصه عن هذه الغائلة ، وإن دخله بعد العقد أو في أثنائه فلا ينبغي له الترك لأنّه حصل له باعث دينيّ أوّلاً وباعث الرياء طار فليجاهد في دفعه وتحصيل الاخلاص وقهر نفسه عليه بلامعالجات السابقة ، فإنّه إذا كان في مقام المجاهدة مع نفسه وقهرها على ذلك سامحه الله بعظيم عفوه ورحمته ودفع عنه كيد الشيطان بجسيم منّه ورأفته.
وإن كان ممّا (١) لا يتعدّى كالامامة والوعظ والقضاء والتدريس والافتاء ، ففوائدها جسيمة وغوائلها عظيمة ، فمن منّ الله عليه بالوصل إلى مرتبة ينتفع به الناس حقيقة فإن كان ذانفس قدسيّة وقوّة عقليّة قويّة بحيث يكون الخلق في نظره ـ لاشتغاله بمراتب الاخلاص ومعرفته بعظمة الله سبحانه ـ كالبهائم أو دونها ، وجودها كعدمها ـ وما أقلّ من هذا شأنه ـ كان اللازم لمثله
__________________
١ ـ كذا في النسخ ، والظاهر زيادة « لا ».