التزام هذه المناصب حتى لايكون ممّن ألجمه الله بلجام من نار ، بل يستحقّ بهدايته للناس إلى سبيل ربّهم أعظم المثوبات في دار القرار. وإن لم يأمن على نفسه فالأحوط له تركها ، ولذا ورد ما ورد في عظم خطرها وآفتها ، ونقل التجنّب التامّ عن السلف عنها والاهتمام مهما أمكن في مدافعتها ، وقد أشرنا إلى بعض مايمكن الاشارة إليه في هذا الكتاب من ذمّ علماء السوء ونقل ما ورد في شأنهم ، فإن كنت منصفاً سالكاً سبيل ربّك كفتك الاشارة ، والا فلا يتأتّى لك الاهتداء ولو بألف عبارة.
ومن علامة القسم الأوّل عدم التفاوت في طريق التكلّم مع حضور الأكابر من أهل الدنيا في مجلسه وعدمه تغيّر حاله في تكلّمه ، ولو حصل من مثله أو من هو أحسن منه في فنّه وقبله الناس أكثر منه فرح به ولم يحسده وغير ذلك ممّا لا يخفى على الناظر البصير.
الرابعة : لو صار صدور العمل من واحد سبباً لصدوره عن الآخر لم يكن ذلك من الآخر رياء ، فلو حضرمن ليس من عادته التهجّد مثلاً مجلس الصلحاء فشاهدهم يتهجّدون فرغب فيه وتهجّد معهم ولو في ذلك المجلس خاصّة لم يكن رياء الا أن يكون قصده التلبيس عليهم والفرار من ذمّهم ولومهم أو الرغبة في مدحهم ، فإنّ الرياء كما يبعث على العمل فكذا الدين ، فإنّ كلّ مسلم آمن بالله ورسوله يرغب إلى الطاعات والأعمال الصالحة لولا الغفلة أو عوائق الدنيا.
الخامسة : الوساوس الحادثة في النفس المحدثة في القلب ميلاً خفيّاً إلى الرياء لاتفسد العبادة مع الكراهة لذلك الميل ومدافعة الشيطان في دفعها ، لأنّ الله لايكلّف عباده الا بما يطيقونه ويقدرون عليه ، وغايته المقابلة بالكراهة والمجاهدة بتذكّر المعالجات المقرّرة. والأخبار دلت أيضاً على عدم المؤاخذة على الوساوس كما أشرنا إليه فيما سبق. لكن قد عرفت أنّ السالك لابدّ له من المجاهدة في قلع الوساوس كلية بما أشير إليه سابقاً.