ومراتبه في خصوص المقام أربعة أدناها الاشتغال بالمجادلة مع الشيطان في دفعها وإطاعتها إلى الفراغ ، وهذا مانع عن الحضور والتوجّه التامّ إلى الله تعالى وفيه إجابة ما لغرض الشيطان وتفريج لغمّه بصدّه إيّاه عن التوجّه ، فحاله كالذي أراد التوجّه إلى مجلس خير ينال به فائدة فعارضه فاسق في الطريق يدعوه إلى مجلس فسق فلم يجبه فلمّا أيس منه أطال معه الجدال حتّى يحرمه عن الخير ، فهو يظنّ أنّه مصلحة له في ردّ ضالّ عن ضلاله مع أنّ فيه تحصيلاً لمرامه الذي هو حرمانه عن علوّ مقامه.
ثم الاقتصار على تكذيبه ودفعه من غير اشتغال بالمجادلة ، بل يصرف الفكر بعده إلى التوجّه والحضور بالقدر الميسور ، فهو كالذي توقّف في دفع الفاسق الداعي له إلى مجلس الفسق بأدنى الدفع ، ثم ذهب ماشياً في حاجته ففيه أيضاً إجابة ما لما يتمنّاه منه في دعوته.
ثم عقد الضمير على كراهة الرياء بدون الاشتغال بالتكذيب ، فمثله كالذي لم يقف عن مشيه بدعوة الفاسق ، بل استمرّ على ما كان عليه فحرمه عن مدعاه وآيسه عمّا كان يتمنّاه.
ثم مقابلة وسوسته بفعل خير آخر وازدياد في الاخلاص والتوجّه رغماً لأنفه وحرصاً فيما يقنّطه بل يغيظه فلا يعوّد إلى وسوسة أخرى خوفاً من اقتنائه لفائدة أخرى ، فمثله كالذي يستعجل في مشيه بعد دعوة الفاسق ، وهذا أعلى مراتبه المفيد في دفع وساوسه ، فينبغي للسالك أن يعود نفسه عليه في جميع ملكاته وأخلاقه.
واعلم أنّه قد يحدث الرياء في كيفية العبادة كالتأنّي والخضوع ، فيكتفي ناقص الحظّ من العرفان في دفعه بتركها ، وهذا كالأوّل ، فإنّه وإن دفعه بذلك عمّا دعاه إليه من الرياء الا أنّه أجابه فيما أراد منه من حرمانه عن المقام الأعلى.