فيصعب بسببه قطعها ويعظم عليه قلعها وقمعها.
قال بعض الأعلام : إنّه من رذائل قوّتي الشهوية والعاقلة ، وفسّره باعتقاد البقاء إلى مدّة كذا ، ففرّع عليه أن الاعتقاد يرجع إلى الجهل المتعلّق بالعاقلة والحبّ لتوابع البقاء الذي هو من شعب حبّ الدنيا. (١)
وفيه نظر ، إذ ليس معناه الاعتقاد فإنّك ترى كلّ أحد مبتلى بهذه الخصلة الذميمة الا من عصمه الله عن أدناس الطبيعة ، ولو سئل أنّك تعتقد أي تتيقّن بالبقاء إلى الغد أنكره ، فالاحتمال ممّا لايدفعه أحد عن نفسه ، نعم يرجّحون طرف البقاء إمّا بوجود علاماته كالصحة والشباب وقوّة البنية وغيرها ، وإمّا بالميل الطبيعي إلى الحياة وكراهة فراق ما استأنسوا به من اللذات ، فيجعلون احتمال الفجأة من أضعف الاحتمالات ، وهم وإن كانوا مخطئين في الترجيح المزبور لكن ليس باعثه الجهل ، فإنّ كلّ أحد يعلم بالعيان أنّه لابدّ له من الممات وأنّه لو لم يكن في الشبّان والصبيان أكثر لم يكن من الشيوخ أقلّ ، فهذا أمر لايحتاج إلى الفكر حتّى يجهله بعض الناس لكونه من المحسوسات ، بل الباعث ما ذكرناه من حبّ الدنيا والانس بلذّاتها ، ولذا ترى طول أمل الشيوخ والمعمّرين أكثر ، فهو من نتائجه وفروعه خاصّة ، نعم لو فسّر اليقين بثاني معنييه (٢) كانت هذه ناشئة عن عدمه ، لكن إطلاق الجهل عليه خلاف المصطلح في المحاورات كالعلم واليقين والاعتقاد ، مضافاً إلى أنّه يلزم منه كون جميع الرذائل الشهوية كذلك ، فالأحسن عدّه من رذائل الشهوية خاصّة ، ومن نتائج حبّ المال كالحرص.
وعلى كلّ حال فمفاسده غير خفيّة لكون جميع المعاصي ناشئة في الحقيقة من هذه الملكة الخبيثة وكلّ تقصير في عبادة أو تحصيل فضيلة ينال بها السعادة ناشىء من هذه الرذيلة.
__________________
١ ـ جامع السعادات : ٣ / ٣٢ ـ ٣٣.
٢ ـ مرّ ص ١٢٧.