أطوارهم فحزنهم أيضاً على ما يفقدونه.
فظهر أنّ عدّ الحزن من الرذائل مطلقاً ممّا لا وجه له ، كيف لا والدنيا سجن المؤمن ، ولا وجه له لفرحه فيها.
ويؤيّده ما ورد من ذمّ الغفلة والسرور وكثرة الضحك ومدح الخشوع والبكاء من حشية الله ، فإنّ البكاء يحدث من ألم القلب بالاحتراق لا بتشويش الخاطر والاضطراب ، فالحزن بهذا المعنى من أمّهات الفضائل.
وأمّا قوله تعالى : ( ألا أنّ أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون ) (١) فلا يحسن الاستشهاد به لذمّ الحزن بعد تخصيصه بالحزن على فقد لذّات الدنيا ، بل الأولى إما تفسيره بعدم بقاء هذا القسم من الحزن الممدوح الذي كانوا عليه في الدنيا لهم في الآخرة ، وكذا الخوف ، لوصولهم إلى ماكانوا يفقدونه في دار الدنيا من نعيم الجنان وخلاصهم عن أهوال يوم القيام ويؤيّده سوق الآية كما لايخفى.
وإمّا تفسيره بعدم حصولهما لهم في الدنيا أيضاً بناء على ما أشير إليه سابقاً من أنّ شأن أولياء الله المقرّبين أجلّ وأعظم من أن يخافوا من شيء أو يطمعوا في شيء ، إذ لا مطمع لهم الا النظر إلى وجهه الكريم ، وقد فازوا بالاستغراق في بحار جلاله وعظمته ، فلم يبق منهم خائف ولا مخوف عليه ولا طامع لهم ولا مطموع فيه ، كما قيل :
نترسد زو كسى كورا شناسد |
|
كه طفل از سايه خود مى هراسد |
نماند خوف اگر گردى روانه |
|
نخواهد اسب تازى تازيانه |
ترا از آتش دوزخ چه باك است |
|
كه از هستى تن وجان تو پاك است |
ز آتش زر خالص برفروزد |
|
چه غشى نبود اندر وى بسوزد (٢) |
__________________
١ ـ يونس : ٦٢.
٢ ـ گلشن راز : ٥٤.