لمّا عرفت أنّ العدالة عبارة عن اعتدال القوى الثلاث وتسالمها عرفت أنّ رذائل كلّ منها معدودة من الظلم الذي هو ضدّها لاستلزام انتفاء الجزء انتفاء الكلّ ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ اضافة فضيلة واحة أو رذيلة واحدة إلى قوّتين أو أكثر من جهتين غير عزيزة فلا غرو في إضافة الرذائل إلى كلّ من القوى الثلاث أو بعضها تارة ، وإلى العملية أخرى ، فمن الحيثية الاولى تسمّى باسمها الخاص بها ، ومن الثانية ظلماً أو جوراً ، كما سمّى الله تعالى الشرك مع كونه من رذائل العاقلة ظلماً ، وهذا بخلاف الفضائل ، لعدم استلزام فضائلها ثبوت فضيلة العدالة ، لأنّ ثبوت العام لايستلزم ثبوت الخاص ، نعم ثبوتها يستلزم ثبوتها ، لأنّ حصول ملكة الأخذ بالوسط من كلّ شيء يتوقف على حصولها بأسرها لكونها أوساطاً من قواها ، لكن عرفت أنّ الشائع المتعارف مع تعارض الجهتين إضافتها إلى ما هي أقرب ، ولذا خصّصها علماء الفنّ بواحدة من الثلاث ، ولم يعدّ وها من أنواع العدالة لكونها بعيدة بحسب الاعتبار.
نعم لمّا كانت العدالة بمعنى الأخذ بالوسط من كل شيء ويؤول محصّله كما أشرنا إليه فيما سبق إلى ثلاثة : ما يجب للسالك مراعاته فيما بينه وبين الله تعالى كالشكر والعبادة والتوكّل والتسليم والرضا وما يجب مراعاته فيما بينه وبين الأحياء من الناس من أداء الحقوق وحسن المكافاة والنصفة في المعاملات وتعظيم الأكابر وإغاثة الملهوفين ونصح المستشيرين وقضاء حوائج إخوان الدين ونحوها ، وما يجب مراعاته بينه وبين أمواتهم كأداء الديون وإنفاذ الوصايا والصدقة والدعاء وأضرابها ، هذه ممّا لا اختصاص لها بإحدى الثلاث الا باعتبار بعيد ، فلذا عدّوها في أنواع العدالة وأضافوها إليها ، ويستلزم ذلك اندراج أضدادها تحت ضدّها أي الظلم ، ولم يضيفوها إلى تلك القوى مع إمكانها بنوع من الاعتبار لكونها عامة بعيدة ، والقريبة