والمنكر معروفاً ، وعند ذلك يبتلى الناس بفتنة يصير الحليم فيها حيران ». (١)
ومن تتبّع السير والتواريخ والأخبار المشتملة على حكايات الأمم الماضية علم أنّ العقوبات العظيمة الأخروية والدنيوية السماوية والأرضية من القحط والغلاء والطاعون والوباء وحبس المياه والأمطار وتسلّط الظلمة والأشرار بالقتل والنهب والأسر وحدوث الصواعق والزلازل إنّما نزلت عليهم لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكيف يؤاخذ الله غير العاصي بالعاصي ، وسيجيء مزيد تحقيق لهذا الأصل وساير الأصول الماضية في المقام الثاني إن شاء الله تعالى.
ختام
الهجرة والاعتزال عن الناس ليس بمذموم مطلقاً ، بل من كلام الأخلاق كما عرفت ، وأمّا الاعتزال عن شخص معيّن للحقد أو الحسد أو الغضب فهي من رذائل الملكات ، وما دلّ على ذمّه كثير.
فعن النبي صلىاللهعليهوآله : « أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثاً لايصطلحان الا كانا خارجين عن الإسلام ولم يكن بينهما ولاية ... ». (٢)
وقال : « لايحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ... ». (٣)
وقال الصادق عليهالسلام : « لايفترق رجلان عن الهجران الا استوجب أحدهما البراءة واللعنة ، وربما استوجبه كلاهما الحديث ... ». (٤)
وبالجملة : فالأخبار كثيرة فلابدّ من التأمّل فيها والتذكّر لما ورد في ضدّها من الثواب حتّى يحافظ نفسه عن هذه الخلة الذميمة ، ولو حصلت له فليكلّف نفسه بالمبادرة على المسالمة والتألّف حتّى يغلب على الشيطان ويفوز بما يرجوه من الأجر الجزيل والثناء الجميل ، والله الموفّق.
__________________
١ ـ راجع الكافي : ٥٩ ، والمحجة البيضاء : ٤ / ١٠٠ ، والظاهر أنّ المصنّف ركّب بينهما.
٢ ـ الكافي : ٢ / ٣٤٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الهجرة ، ح ١.
٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٢.
٤ ـ الكافي : ٢ / ٣٤٤ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الهجرة ، ح ١.