وغاية فعله نفسه ، لأنّ الخير المحض مقصود لذاته ، ولا يفعف ما هو كذلك الا لذاته ، لكنه موقوف على أن ينتفي عنه الوارض النفسانية ويصفو عن الشهوات الرديّة ، ويمتلأ قلبه من شعائر الله ومعرفته وحبّه والانس به ومشاهدة حضرته والحقائق الحقّة ، ويكون ذلك كالقضايا الأولية في نفسه ، بل أوضح وألطف وأظهر وأشرف ، فلا يبقى في نفسه شيء من جلب نفع أو دفع ضرّ أو غيرهما ، فيصير هو في نفسه خيراً محضاً ، ولا يطلب الا ما هو كذلك ، فيكون ذاته غاية لفعله ، وفعله غرضاً بذاته ، وإن ترتّبت على فعله فوائد أخرى كثيرة على الغير بالعوض.
تنبيه : لابدّ في سعادة المرء من إصلاح جميع صفاته وأفعاله على طريق الاستمرار والدوام ، بحيث لا يتغيّر حاله بتغيّرات الأزمان والأحوال ، فلا يزول صبره بحدوث النوائب والفتن وورود المصائب والمحن ، ولا يقينه بكثرة الشبهات ، ولا رضاه وشكره بتواتر البليّات ، ولو كان مثل بلاء أيّوب النبي عليهالسلام مثلاً ، ولا يحصل التفاوت في حاله لكن لا لنقصان فهمه وقلّة إدراكه وعدم إحساسه ، بل لكبر نفسه وشهامة ذاته وارتفاع همتّه ، فلا يكون لتقلّبات الأوار فيها تصرّف ، بل ربّما خرج بذلك عن تصرّف الطبائع الفلكية والكواكب السماوية ، فلا يتأثّر بسعدها ونحسها وقمرها وشمسها وربّما حصلت لهم قوّة على التصرّف في مواد الكائنات وتغييرها عن مقتضى طبائعها كما حصل لسيّد الرسل صلىاللهعليهوآله من شقّ القمر وردّ الشمس وغير ذلك.
فصل
اللذّة الانفعالية تنفعل بعروض الأحوال المختلفة لها وتتبدّل بالزيادة والنقيصة بخلاف الفعلية لكونها ذاتية ، واللذّات الحسيّة كلها انفعالية لما نرى من تغيرها بالتزايد مع تزايد القوّة الحيوانيّة وضعفها بضعفها إلى أن ينتفي بالمرّة فتصير بنفسها آلاماً ، واللذّة الفعلية المتربتة على السعادة ذاتية عقلية