فهذه جملة آداب العشرة مع عامّة الخلق ، فصّلها أبوحامد الغزالي وغيره ، ثم قال : « والجملة الجامعة فيها أن لاتستحقر منهم أحداً حيّاً كان أم ميّتاً ، لأنّك لاتدري لعلّه خير منك ، فإنّه وإن كان فاسقاً فإنّه (١) يختم له بالصلاح ، ويختم لك بمثل حاله ، ولاتنظر إليهم بعين التعظيم لهم في دنياهم ، فإنّها صغيرة عند الله تعالى مع ما فيها ، ولاتبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فتصغر في أعينهم وتحرم من دنياهم وتسقط من عين الله ، وإن لم تحرم مندنياهم فقد استبدلت الذي هو أدنى بالّذي هو خير ، ولا تعادهم فتظهر لهم العداوة فيطو لأمرك في المعاداة ويذهب بها دينك ودنياك ودينهم بك الا إذا رأيت منهم منكراً في الدين فتعاديهم في الله مع النظر إليهم بعين الرحمة لتعرّضهم لمقت الله وعقابه فحسبهم جهنّم يصلونها ، فما لك تحقد عليهم ولا تسكن إليهم في مودّتهم لك وثنائهم في وجهك ، فإنّك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد من المائة واحداً لا تشك إليهم أحوالك فيكلك الله إليهم ، ولا تطمع أن تكون حالهم فيك واحداً في السرّ والعلانية ، فإنّه طمع كاذب ولا تظفر به ، ولا تطمع في مافي أيديهم فتستعجل الذلّ ولا تنال الغرض ولاتتكّبر عليهم باستغنائك عنهم فيلجئك الله إليهم عقوبة على تكبّرك.
وإن سألت أخاك حاجة فقضاها فهو أخ مستفاد ، والا فلا تعاتبه فيعاديك.
ولا تعظ من لا ترى منه مخائل القبول ، فلا يسمع منك ويعاديك ، وإن وعظت فلا تنصّ على شخص خاص ، بل أرسل إرسالاً ، وإن أكرمك أحد فاشكر الله على تسخيره لك واستعذ به من شرور الناس ولا تكافئه فيزيد ضررك ويضيع عمرك ، ولاتقل : لم يعرفوا محلّي وما قدروني حقّ
__________________
١ ـ كذا ، والظاهر : فلعلّه.