بل قد تكون أكثر الا أنّ حقوقها أظهر وتعبها فيما تتحمّله من المشاقّ أبين.
نعم حقّ الأب أظهر من حيث المعنى والروحانية ، فإنّه أصل وجودك والنعمة عليك ومربّيك والراغب في استجماعك لما يظنّه كمالاً في حقّك ، والواصل بك إلى كلّ مرتبة تعجبك إن وصلت إليها ، فهو في الحقيقة أحقّ من الأم بالحقوق المقرّرة لهما عليك ، والفرق بينهما بقدر الفرق بين الجسم والروح ، فإنّ أمّك مربّية لجسمك خاصّة وحافظة له عن الآفات الجسمانية بالقدر الممكن لها وأبوك مربّ لنفسك وروحك ، مضافاً إلى جسمك.
ألا ترى أنّه يرضى عليك بما تكرهه ويشقّ عليك من الحرّ والبرد والجوع والعطش والسهر وغيرها في تحصيل مايراه كمالاً في حقّك ممّا لاترضى به أمّك.
قال السجّاد عليهالسلام : « وأمّا حقّ أبيك فأن تعلم أنّه أصلك فإنّك لو لاه لما تكن ، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه ... الحديث ». (١)
فحقّه أعظم وأوجب حقيقة سيّما فيما يتعلّق بالروحانيّات كالإعظام والإكرام وطلب المغفرة والسعي في بقاء اسمه وأثره بعد موته وأضرابهما ، وهذا ممّا لا سترة فيه ، فاللازم توجيه ما ورد في ترجيح حقّ الأمّ وتقديمه بتخصيصه بالجسمانيات كالخدمة وحسن الإنفاق وأمثال ذلك ، فإنّها لكونها مرأة وهي قاصرة العقل في درك الكمالات والفضائل النفسانية قليلة الطاقة في تحمّل المكاره الجسمانيّة ، فمراعاة شأنها فيها أولى وأليق ، فافهم.
وممّا ذكر يظهر أنّ حقّ المعلّم أعظم لكونه روحانياً محضاً.
قال السجاد عليهالسلام : « وحقّ سائسك بالعلم التعظيم والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه ، وأن لاترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٥٠ ، نقلاً عن الفقيه : ٢ / ٦٢٢.