ما كانوا يكسبون ). (١)
ومع تراكم الرين يصير طبعاً كالخبث المتراكم الّذي طال بقاؤه في المرآة حيث يغوص في جرم الحديد ويفسده فلا يقبل التصقيل ، فكما لابدّ من التدارك فكذا لابدّ في رفع آثار المعاصي مضافاً إلى تركها تداركها بالطاعات حتّى تنمحي ظلمتها بنورها.
هذا حال تصقيل الظلمة العارضة بعد الجلاء ، وأمّا أوّله ففيه شغل طويل لأنّ إزالة الصدأ عن المرآة أسهل من عمل أصلها ، وإلى ما ذكرناه أشير فيما ورد عن الصادقين عليهمالسلام : « أنّه ما عبد الا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء ، فإن تاب ذهب ذلك السواد ، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّي البياض ، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً ، وهو قول الله عزّوجلّ : ( كلّابل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) (٢) ». (٣)
وممّا فصّلناه علم أنّ وجوب التوبة فوري ، فما ذهب إليه بعضهم من عدم فوريّتها استناداً إلى بعض الأخبار كقول الصادق عليهالسلام في خبر زرارة : « إنّ العبد إذا أذنب ذنباً أجّل من غدوة إلى الليل ، فإن استغفر الله لم يكتب عليه » (٤) وأمثاله ممّا وقعت الاشارة إليها في باب الرجاء ضعيف لما عرفت من الأدلّة العقلية الدالّة على فوريّتها.
والأخبار المذكورة لاتنافيها ، ولعلّ ذلك تفضّل منه تعالى بتأخير العذاب لا أنّه استحقاق منّا له ، يدلّ عليه قول سيّد العابدين عليهالسلام في دعاء التوبة :
__________________
١ ـ المطفّفين : ١٤.
٢ ـ المطفّفين : ١٤.
٣ ـ الكافي : ٣٣ / ٢٧٣ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الذنوب ، ح ٢٠.
٤ ـ الكافي : ٢ / ٤٣٧ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الاستغفار من الذنب ، ح ١.