لرسوخ الشهوة ببقائها ، فيصعب قلعها ، فمن عجز في حال شبابه وقوته عن قلع الشجرة الشابّة كيف يقدر على قلعها بعد انقضاء مدّة طويلة تزيد قوتها ورسوخها وتزيد ضعفه بشيبه وهرمه واحتفاف الأسقام والأوجاع به وضعف الجوارح والآلات عنه.
ويحك! يانفس أتستعدّين للشتاء بقدر طول مدّته فتجمعين له القوت والحطب واللبد والجبة والحبوب ، ولا تتّكلين على فضل الله ورحمته حتى يدفع عنك البرد بغير حطب وجبّة ، فإنّه قادر على ذلك ، أفتظنّين أنّ الزمهرير أخفّ برداً أو أقصر مدّة من زمهرير الشتاء؟ أم تظنّين أن العبد ينجو من دون سعي ، هيهات! فكما لايندفع برد الشتاء الا بالجبّة والفرو والاستدفاء بالنار وغيرها ، فكذا لايندفع حرّ النار وبرد الزمهرير (١) الا بمحض الطاعات والاجتهاد في العبادات ، وإنّما كرمه تعالى في الهداية والإرشاد إلى طريق النجاة والخلاص عن الهلاك وتيسير الأسباب لا في اندفاع العذاب عنك بدون سبب من الأسباب ، كما أنّ كرمه في دفع برد الشتاء بخلق النار وإهدائك إلى طريق استخراجها ودفع البرد بها دون شراء الحطب والجبّة ، فارجعي عن جهلك ولاتبيعي آخرتك بدنياك.
ويحك! يا نفس أما تستحين؟ تزيّنين ظاهرك للخلق ، وتبارزين الله في السرّ بالعظائم؟ فتستحين من الخلق دون الخالق؟
ويحك! أتراه (٢) أهون الناظرين إليك قد جعلت نفسك حماراً لإبليس يقودك حيث يريد وتشتغلين بعمارة دنياك مع خراب آخرتك كأنّك غير مرتحلة منها إليها؟ أما تنظرين إلى أهل القبور قد جمعوا كثيراً وبنوا شديداً وأمّلوا بعيداً ، فأصبح جمعهم بوراً وبنيانهم قبوراً وأملهم غروراً ، فانظري إلى الدنيا اعتباراً واسعي اضطراراً وارفضيها اختياراً ، واطلبي
__________________
١ ـ كذا في « ج » ، وفي « الف وب » : بردها.
٢ ـ كذا ، والصحيح : أترينه.