ويحك! إن كنت ترى (١) أنّ الله لايراك فما أعظم كفرك والا فما أعظم وقاحتك وأقلّ حياءك.
ويحك! أتظنّين أنّك تطيقين عذابه فجرّبي نفسك واحتبسي ساعة في البيت أو في الحمّام (٢) أو تقرّبي إلى النار ليتبيّن لك طاقتك ، أم تظنّين كرمه تعالى وعفوه واستغناءه عن عذابك ، فمالك لاتعوّلين على كرمه في حوائجك في الدنيا أفتحسبين أنّه كريم في الآخرة دون الدنيا ، ولا تعلمين أنّ الربّ واحد وأنّه ليس للانسان الا ما سعى.
ويحك! ما أعجب نفاقك! تدّعين الإيمان بلسانك وقد قال مولاك في أمر دنياك ( وفي السماء رزقكم ) (٣) فضمن الرزق وتكفّله ولم يتكفّله في أمر الآخرة ووكله إلى سعيك فتكذّبينه بأفعالك وتكالبك على الدنيا كالمستهتر ، وإعراضك عن الآخرة كالمستخفّ المستحقر ، أما تدرين أنّ المنافق في الدرك الأسفل من النار؟
ويحك! ما أجهلك بحساب يوم الجزاء ، أتحسبين أنّك تتركين سدى ، ألم تكوني نطفة من مني يمنى؟ فخلقك وسوّاك ، أفلا يقدر أن يحييك مرّة أخرى؟ وإن صدّقته فما بالك لا تأخذين حذرك ويكون قول الأنبياء ووعدهم ووعيدهم عندك أهون من إخبار طفل بعقربة في أحد جنبيك ، أو يهودي يدّعي الطبابة بالضرر في أكلك ولزوم مداواتك ، أفتظنّين أنّ سموم النار وعقاربها وحيّاتها أحقر من لدغ العقربة التي لاتدوم يوماً فما أجهلك ولو انكشف على البهائم أمرك ضحكوا عليك.
ويحك! مالك تسوّفين نفسك وتقولين غداً وغداً ، فقد جاء الغد وصار يوماً ، ألا تعلمين أنّ الغد كالأمس في عجزك فيه عمّا كنت عاجزة عنه فيه وقدرتك على ماكنت تقدرين عليه؟ بل أنت أعجز في الغد من اليوم
__________________
١ ـ كذا ، والصحيح : ترين.
٢ ـ كذا ، وفي المحجّة البيضاء : (٨ / ١٨١) : ساعة في الشمس أو في بيت الحمّام.
٣ ـ الذاريات : ٢٢.