ترجيحاً للنفع المتوقّع على الألم العاجل أو لرضاء محبوبه على رضاه فيسعف مأموله وينجح مطلوبه ومسؤوله.
فإذا حصلت هذه المراتب في المحبّة الضعيفة الحاصلة للمخلوقين فيما بينهم فأولى بحصولها في محبّة الله تعالى سبحانه.
تمحيص وتحقيق
الدعاء الذي تأكد الأمر به في الآيات والأخبار لاينافي الرضا ، وكذا بغض الكفّار والعاصين والأمر بنهيهم عن مخالفة شعائر الدين المبين ، ومع عدم الانزجار بدفعهم وقمعهم ومع عدم التمكّن بالاعتزال الهجرة عنهم.
وما توهّمه بعضهم من أنّ ما يقصد ردّه بالدعاء من قضاء الله وقدره وكذا الكفر والعصيان فيجب الرضا بها ، فرأوا السكوت عنها من مقامات الرضا ، واضح الفساد ، كيف ومقام الأنبياء والأوصياء من أعلاها وقد كثرت الأدعية المأثورة بما لاتحصى.
وكذا الحثّ والثناء في الكتاب والسنّة على الدعاء وأهل الدعاء وبولغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهما وصرّح بموادّة المؤمنين وبغض الكفّار والمنافقين ، بل مطلق المخالفين بما هو أظهر من أن يخفى ، هذا مع ما يشاهد من إيجاب الدعاء لصفاء القلب وتنوّر النفس وكشف الأسرار وتواتر مزايا لطف الكريم الغفّار وإفاضة الخيرات والبركات بسببه إلى العباد ، فإنكار ذلك جهل وغرور أو مكابرة وعناد ، ولامنافاة بينها وبين مادلّ على علوّ مرتبته الرضا بالقضاء ، فإنّ عادة مبدع النظام الأصلح وربّ الأرباب قد جرت بترتيب المسببات على الأسباب وإسناد المبدعات والكائنات والأفعال طرّاً إلى الوسائط التي بها يتمّ الانتساب ، كما قال تعالى :
( وإن من شيء الا عندنا خزائنه وماننزّله الا بقدر معلوم ) (١)
والقدر عبارة عن وجود الأشياء مفصّلة في الخارج مرتّبة على أسبابها
__________________
١ ـ الحجر : ٢١.