بحديث منافاة الدعاء للرضا.
ومجمل الجواب : أنّ علمه تعالى ليس علّة لفعل العبد وإن طابقة فالعبد لمّا كان يفعل باختيار ، علم الله كذلك ، لا أنّه لما علم كذلك فعل العبد.
والحقّ أنّ فعل العبد مخلوق له من دون واسطة بإرادته واختياره ومخلوق له تعالى بوساطة العبد كما في سائر الموجودات ، لا أنّه ليس له إرادة واختيار في الفعل ، كما يقوله المجبّرة ولا أنّه يحصل من غير علّة واجبى كما يقوله المفوّضة ، بل هو أمر بين أمرين بالنهج المزبور ، كما وردت به النصوص عن الأئمّة المصطفين ، فالاختيار والإرادة مخلوق لله تعالى في العبد كسائر الآلات والأسباب المخلوقة فيه ، وهو لاينافي الإختيار ، فإنّ المراد من الفعل الاختياري ما كان مبدؤه الاختيار ، وأمّا صدور الاختيار أيضاً عن اختيار آخر ، فلا ضرورة تلجىء إليه ، غاية ما هناك صيرورة الفعل واجباً بسبب الاختيار وهو لاينافيه ، وتمام الكلام يحتاج إلى بسط يفوت به زمام المرام.
وبالجملة فالدعاء مباشرة سبب رتّبه مسبّب الأسباب ، والتمسّك بالأسباب جرياً على سنّة الله تعالى لاينافي التوكل ولا الرضا ، كما أنّ شرب الماء وأكل الخبز ومعالجة المريض بالدواء والغذاء لاتنافيهما.
فإن قلت : مادلّ على كراهة المعاصي ينافي مادلّ على حسن الرضا بالقضاء الا أن يقال بعدم صدورها منه وهو قدح في التوحيد.
قلت : أفعال العباد وإن كانت كسائر الموجودات بقضاء الله وقدره ، الا أنّه فرق بين المقامين حيث إنّ ماسوى أفعال العباد من الموجودات الخارجية جارية بقضاء حتم وقدر لازم منه تعالى.
وأمّا هي فمعلّقة باختيارهم وإرادتهم ومستندة إليهم ، كما وردت في الأخبار عن العترة الأطهار ، واقتضاها نور البصيرة والاعتبار للزوم الجبر