إليه مع انشراح لحقيقته وانفساح للصدر بمضمونه وصيرورته له محسوساً مشاهداً ، ويمكن تضعيف عقده بالشبه والبدع وتقويته بالفكر والنظر في الأدلّة الكلامية.
ثم لبّه مشاهدة فاعل الأشياء واحداً وانكشاف ذلك للقلب كما هو عليه ، فيرى الأشياء متكثّرة الا أنّه يسندها إلى فاعل واحد بطريق الكشف والشهود وانشراح الصدر ، ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ). (١)
ثم الدهن المأخوذ من اللب أعني أن لا يحضر في شهوده الا الفاعل الواحد فلايرى الأشياء بجهة كثرتها ، بل بجهة كونها صاردة عن الواحد ، وهي الفناء في التوحيد على اصطلاح ... (٢) ، فإنّه إذا لم ير الا واحداً فلا يرى نفسه أيضاً لاستغراقه بالواحد ففني عن رؤية نفسه وهي غاية التوحيد ومرتبة الصدّيقين.
فإن قلت : كيف لايشاهد الا واحداً وهو يشاهد بحسّه أشياء كثيرة فكيف يصير الكثير واحداً أو كيف يكذب حسّه؟
قلت : قد يكون الشيء واحداً من جهة وعلى طور من المشاهدة دون أخرى وطور آخر ، كالانسان إذا التفت إلى جزء جزء من أجزائه العقلية أو الخارجية ، وإذا التفت إلى الكلّ المركّب من حيث إنّه شيء واحد ، فكم من مشاهد للإنسان لايلتفت إلى أجزائه أو كثرتها فكذلك ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات مختلفة يكون باعتبار أحدها واحداً والآخر متعدّداً ، ومشاهدة الوحدة تظهر غالباً كالبرق الخاطف ، وقلّما تدوم.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ الرابع ممّا لايجوز الخوض فيه ، ولايبنى عليه
__________________
١ ـ الأنعام : ١٢٥.
٢ ـ إحياء العلوم : ٤ / ٢٤٥.