ذوي البصائر والأفهام ، الا من شاهد بنور الله كون الكاتب مسخّراً كالقلم وإن غلط من لم يشاهده لعجز بصره عن إدراك المسخّر [ الحقيقي له ، أي جبّار السماوات والأرضين ] (١) كالنملة التي تدبّ على الكاغذ ، فترى رأس القلم يسوّده وضيق حدقتها مانع عن وصول بصرها إلى أصابع الكاتب ، فضلاً عن نفسه ، وأرباب البصائر ينظرون بنور الله ويسمعون من كلّ ذرّة في الأرض والسماء بالنطق الذي أنطق الله به كلّ شيء حتّى سمعوا تقديسه وتسبيحه وشهادته على نفسه بالعجز بلسان فصيح ليس من لحم ودم وإنّما لم يسمعه الّذين هم عن السمع لمعزولون.
وهذا النطق مع أرباب القلوب يسمّى مناجاة السرّ ، وهو ممّا لاينحصر ، لأنّه كلام مستمدّ من بحر كلمات الله الّتي ينفد البحر قبل نفادها ، ولو جيء بمثله مدداً ، وهي من الأسرار التي قبورها صدور الأحرار ، فلا يحكون بها لغيرهم ، لأنّ إفشاءها لؤم ، وهل رأيت قطّ أميناً على أسرار الملك نوجي بخفاياه فنادى بها على الملأ من الناس ولو جاز ذلك لما وقع النهي عنه ، ولما قال النبي صلىاللهعليهوآله : « لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً » (٢) بل ذلكر لهم حتى يبكوا ولايضحكوا.
وهذا الاستماع من ذرّات عالم الملك والملكوت لايحصل الا بالإيمان بعالم الملكوت والتمكّن من المسافرة إليه واستماع الكلام من أهله ، وفيه جبال شاهقة وبحار مغرقة ، وفيافي تائهة ، ومنازل وعرة ، فمن كان أجنبيّاً عنه ولم يكن مستعدّاً للوصول إليه لم يمكنه ذلك ، بل كان اللازم عليه الردّ إلى التوحيد الاعتقادي الحاصل في عالم الملك بالعلم به بالأدلّة الدالّة على وحدة الفاعل كقولك : المنزل يفسد بصاحبين والبلد يفسد بأميرين. ( ولو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا ). (٣)
__________________
١ ـ ساقط من « ج ».
٢ ـ المحجّة البيضاء : ١ / ٢٦٩.
٣ ـ الأنبياء : ٢٢.