الجوع أسبوعاً ونحوه وتقنع بالتقوّت بالحشيش وأمثاله جاز له ذلك ، وإن جاز عدمه أيضاً اتّباعاً لسنّة الأوّلين وجرياً على العادة الغالبة والا فلا يجوز له الا التمسّك بالأسباب الظاهرة ، وذلك لأنّ عدم الجواز إمّا للنهي عن ذلك وكونه إلقاء نفس في التهلكة وإمّا لأنّ غاية التوكّل وثمرته حصول السكون إلى الله تعالى حتّى لاتشتغل نفسه بغيره ولايمنعه عمّا يبطله من الشهود ، فلو لم تسكن نفسه الا بالأسباب الظاهرة لم يجز له التخلّف والإعراض عنها ، بل يجوز لمن لاتسكن نفسه عن الاضطراب المانع لملازمة أسباب السعادة الا بادّخار مال أو ذخيرة قوت لنفسه وعياله مدّة مديدة تركه ، بل يجب عليه ذلك قطعاً ، والعلّتان مفقودتان في الاولى ، لأنّ المفروض حصول السكون المطلوب له بذلك ، وعدم هلاكه به بعد حصول الشرطين فلا مانع عنه.
وما يقال (١) : من أنّ ثقته حينئذ بها لا بالله فلم يكن متوكّلاً كلام قشري ، فإنّا إذا علمنا أنّ التمسّك بالأسباب الظاهرة بل ادّخار الأموال لاينافيه فإنّ مناطه إسناد التأثير إلى الله تعالى دونها ، فالتمسّك بها لعلمنا بأنّه تعالى لايجريها الا بها وأنّها مرتبطة في قضاء الله الأزلي بها ، فإذا لم يناف ذلك فهذا أولى فتسليم اختلاف مراتب التوكّل باختلاف مراتب اليقين وغيبوبة الأسباب عن النظر وعدمها ، ثم إنكار كون هذا الفرد توكّلاً تهافت لايليق بأهل التدقيق ، وبهذا التقرير الذي قرّرناه في كلام القائل يظهر وجه ما أورده عليه بعض الأفاضل مع جوابه.
لكن أقول ظاهر الأخبار والأدلّة الشرعية لايساعد ذلك كما أشرت إليه ، وكذا ترجيح البقاء في البلد بين الناس مع الاشتغال بالفكر والعبادة وترك التكسّب توكّلاً على الله لا على الكسب بناء على أنّه ليس من قسم الإعراض عن الأسباب فإنّ العادة جارية بوصول رزق مثله إليه ، بل رزق
__________________
١ ـ القائل هو المحقّق الفيض وتبعه النراقي ـ رحمهما الله ـ ، راجع المحجّة : ٧ / ٤١٦ وجامع السعادات : ٣ / ٢٣١.