والاضطراب لم يكن عليه التمسّك بها مطلقاً ، فإنّ مثل هذا يحفظه وكيله ويصلح أموره كفيله ويشهد له ما حكي من فعل الكمّل لذلك ، وإن لم تغب عنه ، لكن مع اعتقاد جازم بعدم استناد التأثير إليها ، بل إلى الله فلا يجوز له الإعراض عنها وإلقاء نفسه في المهالك لأجلها.
وأنا أقول : إذ تبيّن لك أن من عادته تعالى وسنّته التي لاتجد لها تبديلاً تفريع المسبّبات على الأسباب ، وعدم حصولها الا بها لزمه (١) التأسّي بسنّته تعالى في إجرائها منها ولم يجز الفضول في مثل ذلك اعتماداً على توكّله.
وينبّه عليه ما في الخبرين السابقين ، فليست لأحد قوّة اليقين كما للأنبياء والرسل المقرّبين ، والمستحسن المطلوب منه هو القدر المشترك بين القسمين من عدم الاعتماد فيها الا عليه تعالى ، وهو حاصل بالفرض ، فلا حاجة إلى التخلّف عمّا جرت به عادة الله وترك التأدّب بأدب الشارع وما اقتضته الحكمة المحضة والمصلحة الأزليّة من ارتباط المسبّبات بالأسباب.
وأمّا فعل الكمّل لما يوهم خلافه فله جهة أخرى ، وهي أنّ النفس إذا كملت بالارتياض حصلت لها قوّة وقدرة على تسخير الكائنات كما عرفت مراراً ، فهو اعتماد منهم على حصول الأسباب لهم على كلّ حال لعدم انحصارها فيما نظنّه أسباباً أو نقطع به وعدم اكتفائنا بذلك لعدم قدرتنا على سائر الأسباب ولا عليها في غير الوقت الذي جرت العادة بحصولها ، هكذا يليق أن يفهم هذا المقام فافهمه ، فإنّه من مزالق الأقدام.
ثم قيل (٢) : إنّ الاكتفاء بالاسباب الخفيّة من الجليّة كالمسافرة في البوادي التي لايطرقها الناس الا نادراً ، ليس كالإعراض عنها مطلقاً في كونه جنوناً محضاً على ما أشير إليه وحراماً صرفاً على ماثبت من الشرع ، بل الحريّ فيه التفصيل بأن المكتفي بها أن راض نفسه بحيث تصبر وتطمئنّ مع
__________________
١ ـ كذا في النسخ ، وفي هامش « ج » : « فاللازم هو التأسي ».
٢ ـ هذا كلام أبي حامد ، راجع المحجّة البيضاء : ٧ / ٤١٤ ـ ٤١٦.