وقال لموسى عليهالسلام : ( فأسر بعبادي ليلاً ). (١)
وفي الاسرائيليات : أن موسى عليهالسلام اعتلّ بعلّة فدخل عليه بنو إسرائيل فعرفوا علّته ، فقالوا له : لو تداويت بكذا لبرئت ، قال : لا أتداوى حتّى يعافيني الله من غير دواء ، فطالت علّته ، فأوحى الله تعالى إليه : وعزّتي وجلالي لا ابر أتك حتّى تتداوى بما ذكروه لك ، فقال لهم : داووني بما ذكرتم فداووه فبرأ ، فأوجس في نفسه من ذلك ، فأوحى الله إليه : أردت أن تبطل حكمتي بتوكّلك عليّ ، فمن أدع العقاقير منافع الأعضاء غيري؟ (٢)
وروي أنّ زاهداً اعتزل الناس وأقام في سفح جبل وقال : لا أسأل أحداً شيئاً حتّى يأتيني ربّي برزقي فقعد سبعاً فكاد يموت ولم يأته رزق ، فقال : ربّي إن أحييتني فأتني برزقي الذي قسمت لي والا فاقبضني إليك ، فأوحى الله إليه : وعزّتي وجلالي لا أرزقك حتّى تدخل الأمصار وتقعد بين الناس ، فدخل وجاؤوه بطعام وشراب فطعم وشرب فأوجس في نفسه ، فأوحى الله إليه : أردت أن تذهب بحكمتي (٣) بزهدك في الدنيا ، أما علمت أنّي أرزق عبدي بأيدي عبادي أحبّ إليّ من أن أرزقه بيد قدرتي؟ (٤)
وأمّا الموهومة كالاستقصاء في التدبيرات الدقيقة والحيل الخفيّة في تحصيل الكسب وجوهه فهي ممّا يبطل التوكّل ، إذ ليست مأموراً بها عقلاً ولا شرعاً ، بل ربّما كانت منهياً عنها ، وإنّما أمر بالإجمال في الطلب.
تبصرة
قيل (٥) : من كمل يقينه بحيث غابت عنه مطلق الأسباب ولم يبق معه الا الالتفات إلى ربّ الأرباب فسكنت نفسه بفقدها لأجله عن الاشتغال
__________________
١ ـ الدخان : ٢٣.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٧ / ٤٣٢ ، وفيه : منافع الأشياء.
٣ ـ كذا ، والصحيح : حكمتي كما في المصدر.
٤ ـ المحجّة البيضاء : ٧ / ٤١٥ ـ ٤١٦.
٥ ـ راجع جامع السعادات : ٣ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠.