ويحزن عن كلّ نعمة ملهية له عن ذكر الله وصادّة له عن سبيله ، ولا يدرك هذه المرتبة من انحصرت لديه اللذّات في الحسيّات وخلا قلبه عن اللذّات العقلية ، فكم من فرق بين من يريد المنعم للنعمة وعكسه.
وأمّا الثمرة المترتّبة عليها من العمل فهي إما بالقلب بإضمار الخير للمسلمين أو باللسان بالاظهار بالألفاظ الدالّة عليه أو بالجوارح باستعمال نعم الله تعالى في طاعته والتوقّي من الاستعانة على معصيته ، فشكر العينين ستر كلّ عيب يراه من مسلم ، والسمع ستر كلّ عيب مسموع ، واللسان إظهار الرضا من الله وهكذا ، فالمراد من خلق الدنيا وأسبابها الاستعانة على الوصول إلى الله ولا وصول الا بالمحبّة له والانس به وبغض الدنيا والتجافي عن لذّاتها وعلائقها ، ولا انس الا بدوام الذكر ، ولا محبّة الا بالمعرفة الحاصلة من دوام الفكر ، ولا يمكن الذكر والفكر الا بواسطة البدن ولا بقاء له الا بالأرض والماء والهواء والنار ، ولايتمّ ذلك الا بخلق السماء والأرض وما بينهما وكلّ ذلك للبدن وهو مطيّة للنفس المطمئنّة الراجعة إلى الله فكلّ من استعمل شيئاً في غير طاعة الله فقد كفر بنعمة الله في جميع الأسباب التي لابدّ منها لإقدامه على تلك المعصية.
بحث وتحقيق
فإن قيل : كيف يتمّ الشكر على النعمة مع أنّه إنما يتمّ في حقّ منعم ذي حظّ من الشكر وهو محال في حقّه تعالى لتنزّهه من الحظوظ والأغراض ، ولأنّ جميع مانتعاطاه باختيارنا نعمة أخرى مضافة إلى نعمه ، إذ جوارحنا وقدرتنا واختيارنا وسائر أسباب حركاتنا من الله تعالى فكيف نشكر نعمته بنعمته؟
قلت : قد خطر هذا الخاطر لموسى وداود عليهالسلام وناجيا به ربّهما فأوحى إليهما : « إذا عرفت هذا المعنى فقد شكرتني ». (١)
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٧ / ١٥١ ـ ١٥٢.