إليها ، تيسر (١) لك حينئذ شكره ، بل كانت هذه المعرفة بنفسها شكراً منك له كما في الخبر المشهور عن موسى عليهالسلام. (٢)
ومما ذكرنا يظهر أن هذا أزيد من التوحيد ، لأن معرفة كونه منعماً خاصة بجميع النعم وأن كل منعم مسخر تحت حكمه شيء وراء التقديس ، فينطوي فيها مضافاً إليه كمال القدرة والانفراد بالفعل والعناية بالعباد.
ولذا قال النبي صلىاللهعليهوآله : « من قال سبحان الله فله عشر حسنات ، ومن قال لا إله إلا الله فله عشرون ، ومن قال الحمد الله فله ثلاثون ». (٣)
ولا تظن أنها بإزاء تحريك اللسان من غير انكشاف لمعانيها وشهود لحقائقها ، بل هي بإزاء المعارف التي هي من أبواب الإيمان اليقين.
وأما الحالة المستفادة منه وهي الفرح بالمنعم مع هيئة الخضوع وهي الشكر حقيقة ، وإن كانت أصل المعرفة أيضاً كذلك إلا أنها متوقفة على شرط هو كون الفرح بالمنعم دون النعمة والانعام ، فمن يفرح بأصل النعمة من حيث إنها لذيذة حاصلة له وموافقة لغرضه بعيد عن معنى الشكر لقصور نظره عليها وفرحه بها دون المنعم ، فلا يكون شاكراً للمنعم بل للنعمة.
ومن يفرح بها من حيث أنها عطية من المنعم دالة على عنايته به والتفاته إليه واستدلاله (٤) منه على الإنعام في المستقبل فهو شاكر للمنعم إلا أنه ليس شكراً له لذاته ، بل لعطائه ورجاء زيادة نعمائه وهو شكر الصلحاء الذين يعبدون الله طمعاً في ثوابه أو خوفاً من عقابه.
ومن يفرح بها للوصول بها إلى قرب المنعم وكونها وسيلة له إليه ووصلة للنزول في جواره والنظر إلى وجهه فهو الشاكر للمنعم حقيقة ، وهذه الرتبة العليا ، وعلامتها أن لايفرح من الدنيا إلا بما هو مزرعة للآخرة
__________________
١ ـ جواب « لو علمت أن جميع الأفعال ... ».
٢ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ١٤٦ ، ١٥١ ـ ١٥٢.
٣ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ١٤٥.
٤ ـ كذا.