جوابه ، وكذا كلامك الثاني فإنّ مرادنا من الشكر صرف نعمة الله في جهات محبّته ، فإذا تحقّق ذلك حصل المراد وظهر سرّ الزيادة المترتّبة على الشكر أيضاً ، إذ النعمة الحقيقية هي القرب فإذا صرف العبد الزاد والركوب في طريق الوصول إلى المولى فقد قرب ، وبقطع كلّ منزل من المنازل يزداد القرب وهو واضح.
ثمّ إن كان صرف النعمة فيما أحبّه الله محمولاً على ظاهرة من استناد الأفعال إلى العباد ، فنسبة الشكر إلى العبد واضحة ، وإن نظر إلى خلق الآلات والأسباب من الله تعالى فتكون الأفعال كلّها من الله بناء على معنى التوحيد الفعلي المتقدّم إليه الإشارة كان معنى شاكريّة العبد كونه محلاً للشكر وقابلاً له كما هو معنى علمه وقدرته وسائر صفاته فافهم.
وممّا ذكر ظهر جواب آخر بناء على نظر التوحيد الفعلي ، فإنّه الشكر حينئذ حقيقة كما أنّه المشكور ، فإنّ من عرف أن ليس في الوجود غيره وأنّ ( كلّ شيء هالك الا وجهه ) (١) إذ الغير ما كان قوامه بنفسه وهو محال ، إذ كلّ ما في الوجود سواه تعالى فهو موجود قائم بالغير ولو لم يعتبر الغير ولم يلتفت إليه بل إلى ذاته بذاته لم يكن له قوام ولا وجود بالمرّة ، والموجود حقيقة مالو فرض عدم غيره كان موجوداً بنفسه وهو القائم بنفسه ، فإذا كان قوام كل شيء به أيضاً كان قيّوماً والقيّوم واحد لاتعدّد له ( الله لا إله الا هو الحيّ القيّوم ) (٢) فهو مصدر كلّ الأشياء ومرجعها ، فيكون (٣) هوالمحبّ والمحبوب والشاكر والمشكور.
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا قرأ ( نعم العبد إنّه أوّاب ) (٤) قال : « واعجباه
__________________
١ ـ القصص : ٨٨.
٢ ـ البقرة : ٢٥٥.
٣ ـ هذا دالّ على خبر إنّ المذكورة آنفاً.
٤ ـ ص : ٣٠.