أو لغيره ولايخلو عن أربعة :
أوّلها الأقرب الأخص : الفضائل النفسانية ، وهي الأربعة المذكورة في هذا الكتاب ، ويحمعها الإيمان وحسن الخلق ويدخل في الأوّل العلم بالله ورسله وصفاته وأفعاله ، وعلم المعاملة ، أي ما به يحصل التوسّط في الأخلاق وكمال النفس في قوّته العمليّة ، وفي الثاني ترك مقتضيات الشهوة والغضب ومراعاة الاعتدال فيها ، ولايتمّ هذه الأربعة غالباً الا بثانيها أعني الفضائل البدنية وهي أيضاً أربعة : الصّحة والجمال والقوّة وطول العمر.
ولايتهيّأ هذه الأربعة الا بثالثها ، أي النعم الخارجة المطيفة بالبدن وهي أيضاً أربعة : المال والأهل والجاه وكرم العشيرة ، ولا ينتفع بشيء منها الا برابعها ، أي الأسباب التي تجمع بينها وبين ما يناسب الفضائل النفسية الداخلة ، وهي أيضاً أربعة : هداية الله ورشده وتأييده وتسديده ، فحاجة السعادة الأخروية إلى الأربعة الأولى ضررورية (١) واضحة ، إذ لا سبيل إليها الا بها ، وليس لأحد في الآخرة الا ماتزوّد من الدنيا وكذا حاجة الثانية إلى صحّة البدن ، وحاجتها مع صحّة البدن إلى المال والجاه والأهل والأولاد نافعة إجمالاً إذ بفقدها ربّما تطرّق الخلل إليها وذلك لجريانها مجرى الجناح المبلّغ ولا آلة المسهّلة للمقصود.
فطالب العلم والكمال بدون كفاية كالساعي إلى الهيجاء من غير سلاح.
ولذا قال النبي صلىاللهعليهوآله : « نعم العون على تقوى الله المال » (٢) كيف ومن عدمه صار مستغرق الأوقات في تهيئة أسباب معيشته وضروريّاتها والتعرّض لأنواع الهموم والغموم والأذيّات المانعة عن الفكر والذكر.
__________________
١ ـ قال في المحجّة البيضاء : (٧ / ١٨٣) نقلاً عن أبي حامد : وهذه الجملة (أي مجموع هذه النعم) يحتاج البعض منها إلى البعض إمّا حاجة ضروريّة أو نافعة.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٧ / ١٨٣.