أسباب لايمكن حصرها.
الثالث : ومن عمدة ما يتوقّف عليه الأغذية والأطعمة المأكولة ولله في خلقها عجائب غير محصورة وأسباب غير متناهية وهي من الكثرة بحيث لايمكن حصرها فضلاً عن ذكر عجائبها وأسبابها ، فنذكر بعضاً من عجائب حبّ الحنطة وأسبابها وحكمها ، فإنّه تعالى خلق فيها من القوى ما تغتذي به كما في الانسان ، حيث يتوقّف اغتذاء النبات على أرض فيها ماء ، ولابدّ من أن يكون الأرض ورخوة متخلخلة بتخليل (١) الهواء إليها ، فلو تركت في أرض صلبة متراكمة لم تنبت لفقد الهواء ، ثم الهواء لايتحرّك إليها بنفسه ، فلابدّ من حصول أسباب الريح حتى يحرّكه ويقرّبه ويبعّده بقهر وعنف.
وقوله تعالى : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) (٢) إشارة إلى لقاحها الذي هو عبارة عن الزدواج بين الهوء والماء والأرض ، ثم لايكفي في الإنبات البرد المفرط بل يحتاج إلى حرارة الصيف والربيع ، فهذه أربعة أسباب ، إذ لابدّ من انسياق الماء إلى أرض الزرع من البحار والعيون والشطوط والأنهار والسواقي ، وربّما كانت الأرض مرتفعة لايرتفع إليها الماء من العيون ونحوها ، فأرسل السحب الثقال الحوامل بالماء وسلّط عليها الرياح ليسوقها إلى أقطار العالم ويرسلها مداراراً على الأراضي في الخريف والربيع على حسب الحاجة ، وخلق الجبال حافظة للمياه ويتفجّر منها العيون تدريجاً على حسبها فلو خرجت دفعة غرقت البلاد وهلكت الزروع والمواشي ، ونعم الله وعجائب صنعه في السحاب والجبال والبحار والأمطار لايمكن إحصاؤها.
وأمّا الحرارة فلا يمكن حصولها بنفسها في الماء والأرض لكون طبعهما باردين فخلق الله الشمس وسخّرها وجعلها مع بعدها عن الأرض مسخّنة لها في وقت دون وقت ليحصل الحرّ عند الحاجة إليه والبرد كذلك ، وهذه
__________________
١ ـ كذا في « ج » و « ب » ، وفي « الف » والمحجّة (٧ / ٢٠٥) : يتغلغل.
٢ ـ الحجر : ٢٢.