أخسّ حكم الشمس ولها حكم عظيمة عجيبة أكثر من أن تحصى. ثم مع ارتفاع النبات إلى الأرض يحصل في الفواكه انعقاد وصلابة فيحتاج إلى رطوبة ينضجها ، فخلق الله القمر وجعل من خاصيته الترطيب كما يظهر لك إذا كشفت رأسك باليل فإنّه يغلب عليك الزكام ، فهو بترطيبه ينضج الفواكه ويرطّبها ويصبغها بتقدير الخالق الحكيم ، وهذا أيضاً من أخسّ فوائد القمر ، فإنّ له حكماً لامطمع في استقصائها ، بل كلّ كوكب في السماء مسخّر لفوائد كثيرة لاتفي القوى البشرية بإحصائها ، بل كلّ ما في عالم الكون من ملكوت المساوات والأرضين والآفاق والأنفس والحيوانات والنباتات مشتملة على عجائب صنع الله ، وأرباب القلوب لاينظرون إلى شيء منها الا من حيث كونها من آثار قدرته ويتفكّرون في عجائبها ويبتهجون من ظهور حكمها لهم كما أنّ من أحبّ عالماً لم يزل يشتغل بمطالعة تصانيفه فالعالم كلّه من تصنيفه تعالى حتّى تصانيف المصنّفين أيضاً.
الرابع : ثم ما ينبت من الأرض والنبات وما يحصل من الحيوانات لايمكن أكلها كذلك ، بل لابدّ من إصلاحه بطبخ وتركيب وتنظيف بإلقاء بعضه وإبقاء بعضه وغير ذلك من الأعمال ، وكلّ طعام يحتاج إصلاحه إلى أمور كثيرة لايمكن استقصاؤها ، ونقتصر منه على ذكر بعض ما يحتاج إليه الرغيف ، فأوّل ما يحتاج إليه الأرض ثم البذر الثور الذي يثير الأرض مع آلاته كالفدان وغير ذلك ثم تنقية الأرض من الحشائش والتعهّد لسقي الماء إلى أن يعقد الحبّ ويبدو صلاحه ثم الحصاد ثم الفرك ثم التنقية والتصفية ثم الطحن والعجن والخبز ، فاستحضر هذه الأفعال وغيرها ممّا لم نذكره ثم عدد الأشخاص القائمين بها وعدد الآلات التي يحتاج إليها من الحديد والخشب والحجر وغيرها.
وانظر إلى أعمال الصنّاع في إصلاح آلات الحراثة والتصفية والطحن والخبز واحتياج كلّ منها إلى آلات كثيرة ، وانظر كيف ألّف الله سبحانه بين