وانظر إلى ما خلق الله ممّا يحتاج إليه السفن والحيوانات من الأسباب والغذاء بما لايمكن تحديده ووصفه.
السادس : ثم مجرّد وجود الغذاء وإصلاحه لايكفي ولا يفيد مالم يؤكل ويصر جزء للبدن وهو موقوف على أعمال كثيرة محتاجة إلى أسباب كثيرة من الطحن والجذب والهضم المعدي والكبدي وغير ذلك من الأسباب الغير المحصورة ، فللملائكة أصناف وطبقات غير محصورة ( وما يعلم جنود ربّك الا هو ) (١) فمنهم طبقات الملائكة الأرضية والسماوية وحملة العرش العظيم ، ومنهم المسلمون والمهيمنون وكلّ صنع من صنائعه تعالى في الأرض والسماء لايخلو عن ملك أو ملائكة موكّلين به ، ونحن نشير إلى بعض الملائكة الموكّلين بأكلك ، فإنّ كلّ جزء من أجزاء بدنك لايغتذي إلأ بسبعة من الملائكة هم أقل الأعداد إلى عشرة إلى مائة إلى أكثر من ذلك ، فإنّ معنى الاغتذاء أن يقوم جزء من الغذاء مقام جزء تلف من بدنك وهو موقوف على ملكات وتغيّرات واستحالات الغذاء حين يصير جزو للبدن كالجذب والهضم وصيرورته لحماً وعظماً ، ومعلوم أنّ الغذاء واللحم والدم أجسام ليس لها قدرة ومعرفة واختيار حتّى يتحرّك ويتغيّر بأنفسها ، ومجرّد الطبع لايكفي في تردّدها في أطوارها ، كما أنّ البرّ لايصير بنفسه طحيناً وعجيناً وخبزاً الا بصنّاع ، والصنّاع في الباطن هم الملائكة كما أنّ صنّاع الظاهر هم أهل البلد فالغذاء بعد وضعه في الفم إلى أن أن يصير جزء للبدن يتوقّف على عمل سبعة من الملائكة : ملك يجذب الدم إلى جوار اللحم أو العظم ، إذ لا يتحرّك بنفسه ، وملك يمسك الغذاء في جواره ، وثالث يخلع عنه صورة الدم ، ورابع يكسوه صورة اللحم والعظم والعرق ، وخامس يدفع الفضل الزائد من الحاجة ، وسادس يلصق ما اكتسب صفة
__________________
١ ـ المدّثّر : ٣١.