الشهوة بحيث لايمكن معها التنبّه له كسائر الفضائل والطاعات ، أو لابتذالها عمومها للخلق والاعتياد بها ، فارتفع لأجل ذلك وقعها عن النظر ، فلا يرى النعمة الا ما فيه مزيد اختصاص به ، ولذا قلّما ترى أحداً يشكر على روح الهواء ووفور الماء والسمع والبصر ونحوها الا إذا عرض عارض الخلاف ، فعند ذلك يحسب الفائت نعمة ويتحسّر عليه ، وإذا أعيدت عليه عدّها نعمة إلى أن يعتاد عليه ثانياً فيزول وقعه عن نظره أيضاً ، وهذا من غاية الجهل ، فإنّ النعمة الدائمة أحقّ بالشكر فوسعة الرحمة والعناية وعموم اللطف والإحسان صار باعثاً لاغترار أكثر الخلق ، ولو تأمّلوا لعرفوا أنّ شربة ماء عند العطش أعظم من ملك الأرض باسرها ، مع أنّه لايخلو أحد من نعمة مخصوصة به من بين أغلب الناس في عقله ودينه وهيئته وصورته وسائر ما أعطاه الله ولو بحسب اعتقاده بحيث لو خيّر مابين أن يسلب منه ويبدل بما أعطي الآخر لم يرض سيما في العقل والدين ، بل لو خير في التبدّل مع كلّ أحد من الخلق في جميع صفاته وأحواله لم يرض قطّ كما قال تعالى : ( كلّ حزب بما لديهم فرحون ) (١) فكيف لايشكر الله على ما يعتقده مخصوصاً به فضلاً عن النعم العامة ، ولو لم يكن للرجل الا نعمة الصحّة والأمن والاستغناء عن الناس لكان ذلك من أعظم النعماء في حقّه ولم يمكنه الخروج عن عهدة الشكر.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : « من أصبح آمناً في سربه ، معافىً في بدنه وعنده قوت يومه فكأنّما حيزت له الدنيا بحذافيرها ». (٢)
بل لو كان عاقلاً ولم يكن له سوى نعمة الإيمان الموصلة به إلى دارالنعيم لكان جديراً بأن يستعظم النعمة ، ويسمع [ أنّه ] من السلف من كان بحيث لو سلّم إليه ممالك الشرق والغرب بما فيهما لم يبدل أقل جزء من
__________________
١ ـ الروم : ٣٢.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٧ / ٢٢١.