النبي صلىاللهعليهوآله ثانياً ، ودفع منفّرات الولد من ثقل المؤونة وطول التعب وغيره عن نفسه ثالثاً ، فإذا فعل ذلك انبعث رغبته إلى تحصيل الولد للثواب وحركة أعضائه لمباشرة العقد ، فإذا انتهضت القدرة المحرّكة للّسان لقبول العقد طاعة لهذا الباعث الغلب على القلب كان نوياً ، والا كان مايقدره في نفسه ويردّده من قصد الولد وسواساً وهذياناً ، ولمّا كان الانبعاث المذكور يجري مجرى الفتوح من الله تعالى يتيسّر في بعض الأوقات دون بعض الا لمن كان الغالب عليه أمر الدين وقلبه مائلاً إلى الخيرات إجمالاً ، فإنّه ينبعث إلى التفاصيل غالباً امتنع أكابر السلف في كثير من الأوقات عن جملة من الطاعات ، إذ لم يحضرهم النيّة خالصاً له تعالى ، والعمل بدونها رياء موجب للمقت دون القرب فالطاعة على نيّة إجلال الله تعالى واستحقاقه الطاعة والعبودية لايتيسّر للراغب في الدنيا فهذه أعزّ مراتب النيّة وأعلاها ويعزّ من يفهمها فضلاً عمّن يتعاطاها.
وأمّا العمل إجابة لباعث الخوف من النار أو رجاء الجنّة فهو وإن كان من جملة النيّات الصحيحة لكونه ميلاً إلى الموعود في الآخرة ، الا أنّه نازل بالنسبة إلى الأوّل لكونه من جنس المألوف في الدنيا ، وباعثه باعث البطن والفرج الذي موضع قضاء وطره الجنّة ، وعبادة المقرّبين العارفين لايجاوز ذكر الله والفكر لجلاله وعظمته ودرجتهم أرفع من الالتفات إلى المنكوح المطعوم في الجنّة وإنّما يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه لاغير ، ويتنعّمون بلقاء الله تعالى كما يتنعّم عبدالبطن بأكل الحلاوات ولحوم الطيرويسخرون ممّن يتنعّم بالنظر إلى الحور العين ، كما يسخر ذلك ممّن يتنعّم بالنظر إلى الصور المصنوعة من الطين ، بل أشدّ من ذلك وأعظم بيقين ، بل عمى أكثر القلوب عن إبصار جماله وجلاله أيضاً هي عمى الخنفساء عن إدراك جمال النساء ، ولايزال الفرق يختلفون ( كلّ حزب بما لديهم فرحون ). (١)
__________________
١ ـ الروم : ٣٢.