فقدّموا إليه رغيفين إذ كان يأكل الا من كسب يده ، فدخل عليه قوم فلم يدعهم إلى الطعام حتى فرغ ، فتعجّبوا منه لما علموا من سخائه وزهد ، فقال : إنّي أعمل للقوم بأجرة وقدّموا إليّ الرغيفين لأتقوّى بهما على عملهم ، فلو أكلتم معي لم يكفكم ولم يكفني وضعفت عن عملهم. (١)
فإنّ ضعفه عن العمل نقص في فرض وترك الدعوة إلى الطعام نقص في نفل (٢) ولا حكم للفضائل مع الفرائض. فهكذا ينبغي للبصير أن ينظر إلى البواطن بنور الله تعالى.
واعلم أنّ النية لاتحصل بمجرّد حديث النفس وحديث اللسان أو النتقال من خاطر إلى خاطر ، بل هي على ما عرفت انبعاث النفس وميلها إلى ما ظهر لها أنّ فيه غرضاً عاجلاً أو آجلاً ، فلا يمكن اختراع الميل بمجرّد الارادة كما لايمكن أن يقول الفارغ : نويت أن أعشق فلاناً وأحبّه ، بل لاطريق إلى اكتساب الميل الا باكتساب أسبابه المقدورة تارة وغير المقدورة أخرى ، وإنّما ينبعث النفس إلى الفعل إجابة إلى الغرض الباعث الموافق للنفس ومالم يعتقد الإنسان أنّ غرضه منوط بفعل لم يتوجه إليه قصده ، وذلك ممّا لايقدر عليه كلّ حين ، وإذا اعتقد فإنما يتوجّه القلب إذا كان فارغاً غير مصروف عنه بشاغل أقوى ، وذلك لايمكن في كلّ حين ، والدواعي والصوارف لها أسباب كثيرة بها تجتمع ، وتختلف ذلك بالأشخاص والأحوال والأعمال ، فمن يغلب عليه شهوة النكاح من دون اعتقاد غرض صحيح في الولد ديناً ودني لايمكنه الوقاع على نيّة الولد إذ النيّة إجابة الباعث ولا باعث الا الشهوة ، ومن لم يغلب عليه عظم فضل النكاح اتّباعاً لسنّة الرسول صلىاللهعليهوآله لايمكنه نيّة اتّباع السنّة الا بحديث اللسان أو النفس.
نعم طريق اكتسابها تقوية إيمانه بالشرع أوّلاً وبعظم ثواب كثرة أمّة
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ١٢٠ ـ ١٢١.
٢ ـ كذا ، وفي المحجّة البيضاء : « فضل » ويؤيّده التعليل.