واعلم أيضاً أنّ أعلى مراتبها إرادة وجهه تعالى من حيث كونه أهلاً للعبادة ومحبّته له واستغراقه في بحار جلاله وعظمته ومشاهدته فأنس به وفرح بعبادته وإلى هذه المرتبة أشار علي عليهالسلام بقوله :
« إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك لكنّي وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ». (١)
وأدنى منها قصد الثواب أو الخنوف من العقاب كما أشرنا إليه ولا تصغ إلى من قال ببطلان العبادة بذلك زعماً منه أنّه مناف لقصد الاخلاص الّذي هو إرادة الله وحده ، لأنّه قصد جلب نفع لنفسه ودفع ضرّ عنها لا وجه الله تعالى ، فإنّ أكثر الناس لإلفهم بالمحسوسات يتعذّر عليهم الوصول إلى مرتبة فهم تلك المرتبة ، فلا يعرفون منه تعالى الا المرجوّ والمخوف فلو كلّفوا بذلك عموماً كان تكليفاً بما لايطاق لما عرفت من عدم إمكان حصولها الا بعد قطع الشهوات وقمعها والإعراض عن الدنيا بالكليّة والإقبال إلى الله وحبّه وأنسه المتفرّعين على كمال معرفته وحصولها لعامّة الناس غير ممكن ولو كلفوا بذلك لفسدت المعائش وبطل النظام.
والمراد من الاخلاص المشروط في صحّة النيّة المشروطة في العبادة أن لاتكون مشوبة بحظوظ الدنيا والأغراض النفسانية دون الحظوظ الأخرويّة وإن كانت ممّا يشابهها ، ولو كان ذلك مفسداً للعبادة بطل الوعد والوعيد والترغيب والترهيب بالجنّة والنار.
وأمّا قول الصادق عليهالسلام : « العبّاد ثلاثة : قوم عبدوا الله خوفاً فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله طلباً لثوابه فتلك عبادة الأجراء ، وقوم عبدوا الله حبّاً له فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة » (٢) فهو وإن دلّ على ذمّ القسمين ونقصان درجاتهما الا أنّ آخره صريح في صحّتهما ، بل كونهما مستلزماً لفضل وإن كان أقلّ وهو عين ما حققناه.
__________________
١ ـ بحار الأنوار : ٤١ / ١٤ ، غوالي اللئالي : ١٠ / ٤٠٤.
٢ ـ الكافي : ٢ / ٨٤ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب العبادة ، ح ٥ ، مع اختلاف.