وأمّا في المستحبّات فهي وإن لم توجب العقاب من حيث العبادة الا انّها تصير لغواً ، ويترتّب العقاب على الرياء. كذا قيل فتأمّل.
وقال بعض العلماء (١) : والذي ينقدح بحسب الاعتبار أنّ الباعث الديني إن ساواه الباعث النفسي تقاوما وتساقطا فليس العمل له ولا عليه ، وإن غلبه فهو عليه لا له ، وإن كان بالعكس فبالعكس.
فينبغي أن يكون دائماً في الاجتهاد متردداً في القبول والرد ، خائفاً من أن يكون في عبادته آفة يكون وبالها أكثر من ثوابها.
وينبغي أن لايترك مع ذلك العمل خوفاً من وباله وآفته ، فإنّه منتهى بغية الشيطان ، إذ المقصود أن لايفوت الإخلاص ومهما ترك العمل فقد ضيّعهما معاً كما فصّلنا في بحث الرياء.
وقيل (٢) : في هذا الكلام نظر ، فإنّ إطلاق الأخبار يفيد كون شوب الرياء محبطاً للثواب والعمل ، كما تقدّم بعضها ، والنهي في العبادة موجب للفساد ، وقد قال الله تعالى : ( ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً ). (٣)
وأمّا إنّ لكلّ فعل وقصد تأثيراً خاصّاً فمع امتزاج القصدين يتحقّق الأثران ويبقى الخالص بعد التقاوم ، ففيه أنّ ذلك إنّما يصحّ إذا لم يبطله ضدّه ، فإذا كان قضيّة العقل والأخبار بطلان قصد القربة بما مازجه [ من ] غيره فلايبقى له حينئذ أثر حتّى يتّصف بالزيادة ويبقى الزائد سليماً عن المعارض.
وأنا أقول : قد تبيّن لك أنّ قلع مغارس الرياء بدجاتها المتفاوتة في الظهور والخفاء بالكلّية عن القلب مشكل ، ولايمكن ذلك الا بقطع العلائق الدنيويّة بالمرّة والإقبال إلى الله بالكلّية ، وحينئذ فمتى لم يجاهد نفسه بحيث
__________________
١ ـ هو الغزالي كما في المحجّة البيضاء : ٨ / ١٣٦.
٢ ـ هو النراقي في جامع السعادات : ٢ / ٤١٠.
٣ ـ الكهف : ١١٠.