الشيطان.
ومن تأمّل في الآداب والأفعال والأقوال الواردة من الشرع وترتيبها الخاص وتخصيصها بعدد أو الابتداء بموضع أو بواحد من المتماثلات عرف اشتمالها على حكمة البتّة.
مثال ذلك أنّه صلىاللهعليهوآله كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثاً واليسرى مرّتين ، فاليمنى أشرف فيبدأ به والتفاوت لتحصيل الوتر الذي هو من صفاته تعالى ، وخصوص الخمسة دون الثلاث ، لأنّ الواحدة لاتستوعب أصول الأجفان ، وتخصيص اليمنى بالزيادة لفضلها واختيار الزوج في اليسرى لتحصيل الإيتار في المجموع الذي هو كخصلة واحدة ، وكذا كلّ فعل ورد عنهم وإن كانت عقولنا قاصرة عن إدراك أكثرها.
ويتذكّر داخل الحمام بحرّه حرّ النار ويستفيد منه.
قال الصادق عليهالسلام : « فإذا دخلت البيت الثالث فقل : نعوذ بالله من النار ونسأله الجنّة ، تردّدهما إلى وقت خروجك ». (١)
وذلك لئلّا يغفل عن ذكر الآخرة لحظة ، فإنّ للعاقل في كلّ مايراه ويفعله عبرة وموعظة ، وكلّ ينظر بقدر فهمه فهمه وهمّته وشغله ، فالبنّاء إذا دخل داراً معمورة نظر إلى بنائها بعين الدقّة والبصيرة والنجّار إلى أبوابها وشبائكها ، والحائك إلى ثيابها وكيفيّة نسجها وهكذا سالك طريق الآخرة لاينظر إلى شيء من الدنيا الا ويعتبر إلى أمر من أمور الآخرة ، فإن تظر إلى ظلمة تذكّر ظلمة اللحد وإلى نار تذكّر نار جهنّم ، وإلى عقرب أو حيّة تذكّر حيّات جهنّم وعقاربها ، وإلى صوت هائل تذكّر نغمة الصور ، وإلى مأء حارّ تذكّر الحميم ، وإلى مطعوم مرّ تذكّر الزقّوم ، وإلى محاسبة قوم في مال تذكّر حساب يوم القيامة ، وهكذا.
__________________
١ ـ الفقيه : ١ / ١١٣ ، باب غسل يوم الجمعة ودخول الحمام ، ح ٢٣٢.